قرب مقر مُغلق لحزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، في ميدان الجيزة في مصر وقف شابان من أعضاء الحزب يتحسران على أيام كانا فيها لا يكلان ولا يملان من كثرة الأعمال الحزبية التي يُكلفان بها. فالشقة القابعة في بناية قديمة كانت مقر استقبال وضيافة أعضاء وقيادات الجماعة القادمين إلى القاهرة خصوصاً من الصعيد حيث معقل الجماعة، ولم تكن تخلو من شيوخ لهم مكانة كبيرة في نفوس شباب الجماعة الذين يتوافدون على مقر الحزب للسلام على شيوخهم أو حتى تقبيل أيديهم. وفي مسجد قريب من مقر الحزب جلس الشابان يسترجعان بأسى مكاسب الجماعة بعد ثورة 25 يناير، والأزمة التي أضحت فيها بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) الماضي، خصوصاً بعد أن طاولت الحملات الأمنية أعضاء في الجماعة في جنوب مصر بعدما اقتصرت التوقيفات لأسابيع على قيادات وأعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي إليها مرسي. واتفق الشابان، اللذان قبلا نشر رأيهما من دون إشارة إلى اسميهما، على أن الجماعة الإسلامية «تضررت» من موقفها الأخير المناصر لجماعة «الإخوان المسلمين». وقال أحدهما: «حملت الجماعة همّ الإخوان الذين لم يستشيرونا في طريقة الحكم... حين وصلوا إلى الحكم ابتعدوا عنا. وما أن استحكمت الأزمة بدأوا في التقرب من التيار الإسلامي، ولما أُطيح بهم من الحكم أضرنا التحالف معهم». ورأى الشاب الثاني أن الخطر الحقيقي يتمثل في أن «هناك من يرتّب لأن يتصدر حزب «النور» السلفي مشهد التيار الإسلامي وأن يتم إقصاء الإخوان والجماعة الإسلامية، وعلى قيادات الجماعة أن تتنبه إلى هذا الأمر جيداً». واتفق الشابان على أن «الانسحاب» من تحالف دعم الشرعية المؤيد لمرسي هو القرار الأصوب في المرحلة الحالية. ولم يُنكر القيادي في «الجماعة الإسلامية» الشيخ محمد ياسين وجود هذا الرأي لدى قطاع في الجماعة خصوصاً بين شبابها. وقال ل «الحياة»: «بالقطع هناك من يرى أن التحالف مع الإخوان أضر الجماعة ويقولون بأنها تحمّلت أخطاء الإخوان بلا ذنب، لكن هذا الصوت ليس عالياً إلى الحد المُزعج». وأضاف: «طُرحت فكرة الانسحاب من التحالف، وقمت وقيادات في الجماعة بجولة في محافظات عدة خصوصاً في الصعيد للحديث مع قادة وأعضاء الجماعة، ووجدت أن هذا الرأي موجود، ولا يمكن أن نحجر على رأي، لكننا اجتمعنا بكثيرين وأكدنا أن الأمر لا يتعلق بالإخوان أو بحاكم، ولكنها قضية وطن، واُتفق في المجمل على الاستمرار في التحالف... بعض الناس طالب بالانسحاب منه، لكن قيادة الجماعة قررت الاستمرار». وشدد على أنه «لا نية للانسحاب من تحالف دعم الشرعية، لكن أيضاً الجماعة الإسلامية لها مواقفها المتمايزة داخله». وأمام الرأي القائل بالانسحاب من التحالف، هناك آخرون يقفون على النقيض تماماً. فبحسب مصادر رسمية تحدثت إليها «الحياة» فإن أعضاء في «الجماعة الإسلامية» خصوصاً في جنوب مصر بدأت في التخطيط لمعاودة تبني العنف والإرهاب الذي انتهجته الجماعة في الثمانينات والتسعينات (قبل المراجعات). وقالت المصادر: «هؤلاء يروجون إلى أن الديموقراطية لن تأتي بالحكم الإسلامي، فالصندوق حين أتى برئيس ينتمي إلى التيار الإسلامي انقلب عليه الجيش، ومن ثم لا سبيل إلا حمل السلاح». وأضافت: «هم يستخدمون هذه الحجة كمنطلق لتجنيد إرهابيين». لكن ياسين نفى هذه المعلومات. وقال ل «الحياة»: «غير صحيح إطلاقاً... أنا قادم لتوّي من الصعيد، وقمت بجولة في الأقصر وأسوان وقنا وأيضاً البحر الأحمر، والتقيت بقادة وأعضاء كثر، وأكدنا أنه لا حمل للسلاح، والتحرك لن يخرج عن إطار السلمية. هم أنفسهم مصرون على السلمية، ولا نية مطلقاً لحمل السلاح». ورأى ياسين أن التحرك السلمي كفيل بتنفيذ مطالب التحالف، متوقعاً حدوث مفاجآت منها مثلاً رفض الشعب الدستور في الاستفتاء الشعبي. وقال: «أتوقع أن ندعو إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور والتصويت ب «لا»، وحينها سيُرفض الدستور، وهذا أمر مؤكد لأن لجنة الخمسين منحازة لتيار واحد لا يلقى قبولاً شعبياً... هذا معناه تعطيل خريطة الطريق»، مضيفاً: «الأيام حبلى بالمفاجآت، ولن تقف الأمور عند حد المسيرات والقبض على الإخوان إلى الأبد... هناك أحداث ستغيّر مجرى الأمور. في ظني أن أحداثاً كبرى ستقع».