رأى العاهل المغربي الملك محمد السادس أن نجاح دولة مالي في تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات صدقية «خير رد على ما تعرفه مناطق عدة عبر العالم من ضياع وضلال» بسبب تنامي أعمال جماعات التعصب والتطرف بمختلف أنواعها. وقال في خطاب أثناء حفلة تنصيب الرئيس المالي المنتخب إبراهيم بوباكر كيتا في باماكو، في حضور قادة دول افريقية والرئيسين الفرنسي فرانسوا هولاند والتونسي منصف المرزوقي: «بقدر ما نهنئ أنفسنا جميعاً بهذا الانتصار الجماعي على قوى الظلامية والانفصال في مالي، ندرك أيضاً حجم التحديات التي تنتظر البلد في مرحلة المصالحة الوطنية ومعاودة البناء». ودعا إلى إقرار مصالحة هادئة بين كافة أبناء مالي، تكون منفتحة على كل الحساسيات، وتوطيد المؤسسات السياسية و التمثيلية والأمنية وتأهيل البنيات التحتية. وركّز العاهل المغربي على معاودة هيكلة الحقل الديني، مؤكداً أن الإسلام في المغرب ومالي واحد «متشبع بالقيم المبنية على الوسطية والاعتدال وتعاليم التسامح والانفتاح على الآخر»، كما اعتبر التفرّد الثقافي الذي تتميز به مالي «يشكّل أحد المكونات الأساسية للتراث الإسلامي والهوية الإفريقية»، موضحاً أن أي مبادرة دولية لا تولي العناية اللازمة للبعد الثقافي والعقائدي «سيكون مصيرها الفشل»، داعياً إلى إقرار خطة عرضتها بلاده لمعاودة بناء مالي مادياً وثقافياً. وقال بهذا الصدد إن ترميم الجروح المعنوية يتطلب «معاودة بناء الأضرحة وإصلاح وترميم المخطوطات وحفظ وإنعاش الحياة الاجتماعية والثقافية»، في إشارة إلى ما تعرضت له أضرحة ورموز دينية وحضارية من أعمال تخريب على يد الجماعات المتطرفة التي احتلت شمالي مالي قبل طردها منه خلال تدخل عسكري فرنسي حظي بدعم الشرعية الدولية. وحض العاهل المغربي كافة الدول الأفريقية على الاضطلاع بدور جوهري في عملية إعادة إعمار مالي. وقدم أمثلة عن التزامات الرباط لناحية إبرام اتفاق لتأهيل 500 إمام - على امتداد عامين - في درس المذهب المالكي والفقه والتعاليم الأخلاقية التي تنبذ الغلو والتعصب، وكذلك الإفادة من التعاون جنوب - جنوب في برامج التنمية وتأهيل الكوادر والبنيات الأساسية والمرافق الصحية. واتهم العاهل المغربي بعض الأطراف، من دون تسميتها، بأنها «لا تعمل إلا على الهدم والتخريب، في الوقت الذي تختار فيه دول أخرى البناء ومعاودة الإعمار»، معتبراً أن الاهتمام بتطوير الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدان الساحل جنوب الصحراء «مسؤولية تاريخية». وقال إن المغرب، على رغم أنه لا يحظى بمقعد في «الاتحاد الأفريقي» فإنه ما فتئ يلتزم مبادرات ملموسة لدعم التعاون مع الأسرة الأفريقية، مؤكداً أن الحضور القوي لأصدقاء مالي في حفلة تنصيب الرئيس المنتخب «دليل على التزامهم المشترك بالاستمرار في دعم مالي». على صعيد آخر، تحولت حفلة التنصيب إلى قمة مصغرة ضمت عدد من رؤساء الدول. فقد اجتمع العاهل المغربي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في أول قمة مغربية - فرنسية منذ التدخل العسكري الفرنسي في مالي. وعرضت المحادثات إلى تطورات الأوضاع في مالي ومجمل المستجدات في منطقة الشمال الأفريقي، إضافة إلى المسائل ذات الاهتمام المشترك. كما اجتمع العاهل المغربي إلى الرؤساء التونسي منصف المرزوقي، والغابوني علي بونغو أونديمبا، والغيني ألفا كوندي، والنيجري محمدو إيسوفو، والتشادي إدريس ديبي، والإيفواري (ساحل العاج) الحسن واتارا. إلى ذلك، دانت الحكومة المغربية برئاسة عبدالإله بن كيران بث موقع إلكتروني مغربي لشريط منسوب لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي واعتبرت أنه يتضمن «تحريضاً واضحاً على العنف وعلى ارتكاب أعمال إرهابية مدانة ومرفوضة من قبل كافة مكونات المجتمع المغربي». وقال مصطفى الخلفي وزير الاتصال (الإعلام) في تصريح عقب اجتماع مجلس الحكومة إن الشريط المنسوب لفرع القاعدة المغاربي «أدى إلى يقظة لمواجهة هذه التهديدات»، مضيفاً أن الحكومة خلال اجتماعها «درست هذا الأمر وجددت تعبئتها وانخراطها في مواجهة أي تهديد يستهدف سلامة المغرب ومواطنيه أو المس بممتلكاته». وكانت الحكومة رفعت دعوى قضائية ضد موقع جريدة «ألباييس» الإسبانية بسبب نشرها شريط القاعدة الذي يحرض على النظام المغربي، فيما يستمر التحقيق مع مدير موقع «لكم» الإلكتروني المغربي الذي نشر الرابط الذي يقود إلى الشريط عبر موقع «ألباييس».