فشلت موسكو وباريس في تقريب مواقفهما حول الملف السوري، وجددت روسيا معارضتها صدور قرار في مجلس الأمن يتضمن تلويحاً باستخدام القوة. كما برز التناقض واضحاً في مواقف البلدين في تفسير تقرير الخبراء الدوليين في شأن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين قرب دمشق الشهر الماضي. ولم تسفر جلسة محادثات مطولة عقدها أمس في موسكو الوزير الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس عن تقليص هوة الخلاف. وباستثناء كلام عام عن «اتفاق على أن الأهداف النهائية هي الوصول إلى تسوية سياسية للصراع في سورية، وإغلاق ملف السلاح الكيماوي نهائياً»، بدا الخلاف واضحاً في كل التفاصيل الأخرى، وهو أمر عكسه حديث لافروف عن «اتفاق على الاستراتيجية وخلاف في التكتيكات وسبل الوصول إلى الهدف النهائي». وحدد لافروف «الأهداف النهائية» المتفق عليها بأنها «وقف سفك الدماء وإحلال السلام على أساس احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها والطابع العلماني للدولة واحترام حقوق كل المجموعات الإثنية وحرياتها»، معتبراً أن الخلاف الأساس ينطلق من إصرار الغرب على إعلان مواقف من السلطة السورية ورأس النظام الرئيس بشار الأسد، في حين أن هذا الأمر ينبغي أن يكون متروكاً لطاولة الحوار المقترحة في مؤتمر «جنيف-2». وزاد: «في واشنطن يصفون الأسد بأنه مجرم ويجب أن لا يلعب دوراً في المستقبل (...) ونحن مقتنعون استناداً إلى اتفاقنا السابق بضرورة المضي في تسوية سياسية عبر مؤتمر تحضره كل الأطراف وتفضي إلى قيام هيئة انتقالية لها صلاحيات تنفيذية كاملة». وبرز التباعد واضحاً في مواقف موسكو وباريس حيال تقويم الطرفين لتقرير المفتشين الدوليين حول استخدام السلاح الكيماوي ومشروع القرار الغربي المقدم إلى مجلس الأمن. وشدد لافروف على أن المفتشين «ليسوا مخولين بتحديد الجهة التي استخدمت السلاح، وانحصرت مهمتهم في تأكيد استخدام مكونات كيماوية فقط». وأضاف أن تقريرهم «لا يثبت ما إذا كانت الرؤوس التي حملت المكونات الكيماوية التي استخدمت منتجة صناعياً أو يدوية الصنع». وزاد أن لدى موسكو «أسسا جدية للاشتباه بأن المعارضة قامت بعملية استفزازية لجر تدخل خارجي». وذكر لافروف أن قمة مجموعة الدول الثماني توصلت إلى اتفاق في اجتماعها الأخير في إرلندا في حزيران (يونيو) الماضي إلى اتفاق نص على أن أي اشتباه باستخدام سلاح كيماوي في سورية ينبغي أن يحول إلى مجلس الأمن، الذي يكلف لجنة تحقيق خاصة بتقصي الحقائق وتوجيه اتهامات ويوصي بالتدابير اللازمة، مشيرا إلى أن المطلوب حالياً، عودة الخبراء الدوليين لاستكمال نشاطهم وتقصي الحقيقة حول هوية منفذي هجوم الغوطة. وفي النقطة الخلافية الثانية، أكد لافروف أن اتفاقه مع نظيره الأميركي جون كيري في جنيف الأسبوع الماضي، لم يحمل أي إشارة إلى صدور قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وزاد:» نحن متفقون على أن أي استخدام جديد للكيماوي أو محاولات لعرقلة عمل المفتشين الدوليين تستوجب رداً رادعاً، لكن الهيئة الدولية لحظر السلاح الكيماوي هي الجهة المخولة بوضع إطار قانوني وخطة عمل تعرض على مجلس الأمن لاحقاً، وهي صاحبة القرار في اللجوء إلى المجلس وطلب اتخاذ قرارات إضافية إذا وضعت عراقيل أمام عملها من جانب السلطة أو المعارضة»، مشدداً على رفض بلاده اتخاذ قرار في مجلس الأمن «خارج هذا المسار». وحمل لافروف بشدة على المعارضة السورية التي «تعارض حضور مؤتمر جنيف-2 المقترح»، وقال إنه يأمل في تكثيف جهود واشنطن لحمل المعارضة على القبول بحل سياسي للصراع. في المقابل، أكد فابيوس أن تقرير الخبراء الدوليين «يثبت بوضوح أن النظام السوري هو من استخدم السلاح الكيماوي»، وتابع أن «الاستخبارات الفرنسية أيضا تؤكد هذا الاستنتاج». وذكر أن الاستخبارات أبلغت الرئاسة العام 2003، بأنه لا يوجد أي سلاح كيماوي في العراق، لذلك لم تشارك باريس في العملية العسكرية ضد بغداد، معتبراً أن هذا المثال «دليل إلى دقة معلومات الاستخبارات الفرنسية». ورحب الوزير الفرنسي بالخطة الروسية-الأميركية لنزع الأسلحة الكيماوية السورية، وشدد على ضرورة ترجمتها إلى خطوات عملية بسرعة. وأشار إلى أن «الضغوط التي تمارسها الدول الغربية لعبت دوراً كبيراً، بالإضافة إلى المبادرة الروسية، في تغيير موقف دمشق، التي رفضت الاعتراف بامتلاكها أسلحة كيماوية، ثم أبدت استعدادها للكشف عن ترسانتها». وأعرب فابيوس عن ارتياح باريس لقرار دمشق الانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، محذراً من أن عملية تجريد النظام من سلاحه الكيماوي «لن تكون سهلة». وقال: «نصر على ضرورة اتخاذ خطوات سريعة من أجل الحيلولة دون انتشار الأسلحة الكيماوية في المنطقة».