بعدما جنّد النظام السوري، مدعوماً بحلفائه، جيشاً إعلامياً حمل تسميات كثيرة وانتشر في أرجاء العالم للدفاع عن جرائمه والنيل من سمعة معارضيه، عمد (النظام) إلى تسخير جنود افتراضيين على شبكة الإنترنت يمارسون كل أشكال «التشبيح» الممكنة، من طعن بعض الأشخاص باللاوطنية على صفحاتهم على «فايسبوك»، وإغلاق صفحات ومواقع إلكترونية لبعض الأشخاص. كما تتعدى مهماتهم هذا العمل إلى اختراق مواقع إعلامية عالمية وقرصنتها، على رغم أن الأخيرة تنشر أخبارها بحيادية. فبعد صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، وشبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، اخترقت مجموعة من ال«هاكرز» الموالين للنظام السوري، أو ما يطلق عليه «الجيش السوري الإلكتروني»، مواقع «تويتر» والموقع الإلكتروني لصحيفة «نيويورك تايمز» والقسم البريطاني لموقع صحيفة «هافنغتون بوست» الإلكترونية. واستبدل هؤلاء بالصفحة الرئيسية ل»نيويورك تايمز» شعار «جيش الأسد» (النسر)، وذلك «رداً على ممارسات هذه الصحيفة وكذبها وتلفيقها للأخبار عن سورية»، وفق تعبيرهم. كما أوقفت المجموعة ذاتها النطاق التابع ل «تويتر»، وكذلك كل نطاقات «تويتر» العالمية، ما أدى إلى شلل كامل لموقع الطائر الأزرق. ووفق موقع إلكتروني لهؤلاء القراصنة الإلكترونيين، فإنهم أقدموا على خطوتهم، بعد إيقاف حسابات «الجيش السوري الإلكتروني» على «تويتر» أكثر من 14 مرة. متطوعون... بأجر على رغم تأكيد «الجيش السوري الإلكتروني»، في تصريحات إعلامية، أن أفراده لا يتبعون أي جهة، ويعملون طوعاً بلا أجر، فإن الأنباء تشير إلى أن أعضاءه يجري تمويلهم من رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد ومدير أعماله ومستثمر أمواله. واستناداً إلى مقربين من «الجيش السوري الإلكتروني»، فإن كل عنصر فيه يتقاضى مبلغاً من 500 إلى ألف دولار عن كل عملية قرصنة إلكترونية، وفق أهمية العملية. ويمارس أعضاؤه عملهم من سورية ودولة عربية وأنحاء متفرقة من العالم. ويرى متخصصون أن سبب تمكن هؤلاء القراصنة من إتمام عملياتهم، لا يكمن في تفوقهم ونبوغهم، وإنما في ضعف الشركة التي تؤمّن هذه المواقع وتحميها. وفيما يدّعي القائمون على «الجيش السوري الإلكتروني» أنهم «ليسوا جهة رسمية وغير مكلفين من جانب أحد»، فإن الهدف الأساس من وجودهم هو دعم رواية الأبواق الإعلامية لنظام الأسد، والوقوف في وجه من ينشر أخباراً وآراء مخالفة لنظام الأسد. وتفيد المعلومات بأن هؤلاء ال «هاكرز» يتدرَّبون على أيدي خبراء روس. ولوحظ أن نشاطهم نما أخيراً، بعد استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية في الغوطتين في ريف دمشق. كما وسّع «الجيش» المزعوم عملياته، متجاوزاً مواقع المعارضة السورية، ليخترق مواقع إلكترونية تابعة لوسائل إعلامية عربية وعالمية. فقد نشر خبراً كاذباً على موقع «العربية نت»، واخترق أيضاً صفحة «العربية» على «فايسبوك» وموقع جامعة «هارفارد» الأميركية. وكان «قراصنة الأسد» الإلكترونيون اخترقوا سابقاً حساب وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء على «تويتر»، ونشروا خبراً يفيد بوقوع انفجار في البيت الأبيض وإصابة الرئيس أوباما، ما أدى إلى انخفاض في الأسهم الأميركية. كما اخترقوا حساب قناة «سكاي نيوز عربية» على «تويتر» وكتبوا على الحساب: «الجيش السوري الإلكتروني مرَّ من هنا». إعجابات وتبليغات... واستيلاء على مواقع معارضة بدأ «الجيش السوري الإلكتروني» عمله في البداية كمجموعات بسيطة يقتصر عملها على «فايسبوك» بوضع «لايك» (أو إعجاب) على صفحات محددة مؤيدة للنظام لدعمها، أو عن طريق القيام بتبليغات مكثفة ضد صفحات للمعارضة أو للمعارضين من أجل إغلاقها من جانب إدارة «فايسبوك». وكان كل فرد يتقاضى أجراً في السابق لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة (ما قيمته 50 دولاراً حالياً). وبالطبع لا تتغاضى هذه المجموعات عن كيل المديح للأسد وأتباعه، والسباب والشتائم للمعارضين له. وفيما يصرح بعض المسؤولين عن هذه المجموعات بأن عددهم لا يتجاوز 150 شخصاً، فإن صفحتهم على «فايسبوك» تضم 6760 عضواً. ومن أسماء ال «أدمن» (المديرون) للصفحة: «حيدرة روحي فدى الأسد»، و»نسور الأسد».... و»عروبة الأسد». وإلى نشاطه على «فايسبوك» و»تويتر» و»يوتيوب»، يملك «الجيش السوري الإلكتروني» موقعاً خاصاً على الإنترنت. كما يملك شركات برمجة خاصة به تعمد إلى الاستيلاء على مواقع إعلامية سورية كانت حجزت نطاقاتها وأمّنت برمجتها الشركات ذاتها، لكن لم يعجبها توجه هذه المواقع الإعلامية، كما فعلت على سبيل المثال بموقع «الإعلامي»، وهو موقع سوري تأسس قبل الثورة، لكن شركة البرمجة التي أسّسته عادت واستولت عليه لأن الموقع كان ينشر أخباراً عن الثورة والثوار وتحليلات مؤيدة لمطالب الشعب. وعلى رغم أن النظام ينشر شبيحته الإعلاميين والإلكترونيين على الشبكة العنكبوتية، فإن أياً من الجهات الدولية لم تردع جرائمهم الإلكترونية، خصوصاً أن انتهاكاتهم أصبحت تطاول الكثير من المواقع الإعلامية العالمية، وتتسبّب بأضرار كبيرة لها. اختراقات متبادلة بين «أنونيموس» و «الجيش السوري الإلكتروني» في تطور لافت، نشرت مجموعة «أنونيموس» عبر صحيفة «باركر نيوز» أخيراً أنها اخترقت «الجيش السوري الإلكتروني» (سيا). وأشارت إلى أنه أصبح لديها كميات كبيرة من البيانات والمعلومات الخاصة عنه. وقالت إن مجموعة محسوبة عليها استولت على بيانات «الجيش السوري الإلكتروني»، من بينها البريد الإلكتروني لأعضائه ومعلومات كثيرة عنهم. أما الهدف فهو رغبة بعض أعضاء المجموعة ب «الوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي يتعرض لهجمة خطيرة من قبل نظام الأسد». لكن خطوة «أنونيموس» جاءت رداً على «الجيش السوري الإلكتروني» الذي اخترق جنوده سابقاً مجموعة «أنونيموس» العالمية. وأعلن «الجيش السوري الإلكتروني»، حينها، أنه أقدم على ذلك انتقاماً لاختراق المجموعة موقع وزارة الدفاع السورية.