مع كل طفرة في مشاريع الدولة تصاحبها موجة من القضايا التي تنهال على المحاكم الإدارية، فمرة تتقدم قضايا التوظيف وحقوق الموظف، وتارة تبرز قضايا المقاولات ومستحقات المقاولين، تكثر وتخف هذه الموجات بحسب تعامل الجهات الإدارية المختصة، وينكشف معها المسؤول أمام الجمهور بحكمته وفطنته أو بافتقاده لهما. في هذه الأيام ومع المشاريع الضخمة في الحرمين الشريفين ومشاريع القطارات في بقية المناطق، يلاحظ تزايد في أعداد التظلمات من تقديرات التعويض عن العقار المنزوع، وعلى رغم أن نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ووضع اليد الموقت على العقار «تضمن في المجمل معايير عادلة لتقييم الأرض المنزوعة وما يلحق صاحبها من أضرار مباشرة وغير مباشرة، وحدد في شكل دقيق، على خلاف كثير من الأنظمة، كيفية عمل لجنة تقدير التعويضات، بدأً من تشكيلها ومروراً بإجراءات عملها الشكلية وانتهاء بمعايير التقدير. وفصّل النظام، على غير العادة في الأنظمة، في الحالات المتصورة للأراضي قبل النزع وما يطرأ عليها بعده، احتياطاً لإشكالات التنفيذ». وبالنظر إلى أحكام القضاء الإداري في إلغاء القرارات غير العادلة في التعويض، نجد أنها تستند مخالفة جهة الإدارة نصوصاً نظامية واضحة خالية من الإشكالات، ما يثير تساؤل المتضررين: هل أصبح الحق المنصوص عليه نظاماً إلى تأكيد الحكم القضائي؟ تطبيق النظام بوعي هو وظيفة المسؤول، فالخاسر من تكاثر التظلمات أمام جهة المحاكم الإدارية هو المواطن بتعطل مصالحه، والجهة الإدارية بعدم استقرار قراراتها، والقضاء بإشغاله بقضايا منشؤها إهمال الجهة الإدارية في تطبيق النظام أو تعنتها في تسليم الحقوق إلى أصحابها إلا بحكم قضائي. * قاض في ديوان المظالم سابقاً [email protected]