مدير فرع «الخارجية» بمكة يستقبل قنصلي الجابون وليبيا في جدة    السعودية تعلن اكتشافات جديدة للزيت والغاز في الشرقية والربع الخالي    المملكة تجدّد موقفها الثابت والراسخ في دعم فلسطين ووقف العدوان الإسرائيلي    أدرس بفلوسي    أيها الحجاج " كيف حجكم "    التخصصي يجري أكثر من 5 آلاف عملية زراعة كلى ناجحة    .. في وداع رجل العطاء والإحسان    بايدن يحظى بدعم «العائلة».. وديموقراطيون يستبعدون انسحابه من السباق    جولة ثانية من المشاورات السياسية بين المملكة وبنغلاديش    حصر قضايا الأحوال الشخصية بالمحاكم الخاصة بها    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس بوروندي بذكرى استقلال بلاده    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للأدوية المخدرة"        التجارة: بدء العمل بالقرار الوزاري بإيقاع عقوبة مباشرة على كل من أخلّ بإيداع القوائم المالية    الكشافة السعودية تشارك بالمخيم الإسلامي بأمريكا    بدء إلزامية التأمين الصحي على العمالة المنزلية    مدرب إسبانيا يثني على لاعبيه بعد الفوز على جورجيا    أمير الرياض يستقبل قائد قوة الأمن البيئي وسفير فيتنام    "كهربا" على طاولة الخلود    فتح باب القبول والتسجيل بجامعة الملك عبد العزيز بدءاً من 2 محرم    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والنبوي    أمانة المدينة ترفع ربع مليون طن من المخلفات    بدر التميمي مشرفاً عاماً لإدارة الاتصال المؤسسي بوزارة التعليم    إحباط تهريب أكثر من 3،6 مليون حبة "كبتاجون" بميناء جدة الإسلامي    إطلاق مشروع دعم المناهج التربوية لنشر اللغة العربية وتعزيز مكانتها في تشاد    انتخابات فرنسا ..ما السيناريوهات المتوقعة حال عدم الحصول على الأغلبية المطلقة؟    الموارد البشرية تدعو منشآت القطاع الخاص لتحديث بيانات فروعها عبر منصة "قوى"    رياح سطحية مثيرة للأتربة على معظم مناطق المملكة    نزاهة تحقق مع 382 متهما في 8 جهات حكومية خلال شهر يونيو    تنوع فعاليات بيت حائل يبهر الزوار    الحرارة ترتفع في الرياض عند 48 درجة    اكتمال المربع الذهبي لبطولة اتحاد غرب آسيا    نائب أمير القصيم يعزي الزويد    نوري جعفر الجلبي.. عالم النفس العراقي الذي أنصفه الفيصل    لتسليط الضوء على إنجازات المرأة.. السفارة في لندن تستضيف جلسة نقاش لتكريمها    200 لوحة تضع الفنان كلود مونيه في قلب جدة    5 آثار جانبية لجرعة زائدة من الكافيين    محمد بن ناصر: القيادة حريصة على نشر العلم ومكافحة الأمية    القيادة تعزي ملك المغرب.. وتهنئ رئيس الكونغو    807 حجاج يغادرون ميناء جدة الإسلامي إلى ميناء سواكن في السودان    مركز الأمير سلطان بالأحساء ينقذ مريضاً من احتشاء في عضلة القلب    إنهاء معاناة طفلة من مثانة عصبية بمدينة الملك سلمان بالمدينة المنورة    تعزيز منظومة الحماية التأمينية.. المملكة تستضيف المنتدى الإقليمي للضمان الاجتماعي    القيادة تعزي ملك المغرب في وفاة والدته    «العقاري» يطلق «دعمك يساوي قسطك»    3.5 % معدل البطالة في المملكة    110 آلاف طلب أنجزتها المحكمة الافتراضية للتنفيذ    تعزيز الشراكة الخليجية مع "التعاون الإسلامي"    البرتغال وإسبانيا تجهزان النصر للموسم الجديد    غروهي يرتدي قميص الخلود    قصف عشوائي للاحتلال على أحياء شمال غزة    البرلمان العربي يرحب بانضمام إسبانيا إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي    "سلمان للإغاثة" يواصل تقديم خدمات الرعاية الصحية للاجئين السوريين والمجتمع المضيف في عرسال    العالم بين بايدن وترمب..!    الحاج الخفي!    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل المصليات المتنقلة خلال الإجازة الصيفية    التجديد.. يا ناظر العميد    القيادة تعزي حاكم الشارقة وتهنئ رئيس جيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقع الأسد في مأزق سورية
نشر في الحياة يوم 08 - 09 - 2013

تنتظر المنطقة تصويت الكونغرس الأميركي على مشروع قرار بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري على خلفية أنه استخدم السلاح الكيماوي في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي. الأرجح أن يحصل القرار على الموافقة بفارق صغير في الأصوات، خاصة في مجلس النواب. هناك أسئلة كثيرة، وتوقعات أكثر عن حجم الضربة ودوافعها وأهدافها. وهذا موضوع مفتوح على كل الاحتمالات تقريباً. من الممكن السيطرة على توقيت الضربة وحجمها، لكن ما بعد ذلك ليس تحت السيطرة تماماً. ستكون الضربة حسب الإدارة محدودة في مدتها الزمنية، لكن هدفها المعلن هو تحجيم القدرات العسكرية لنظام الأسد، وخاصة قدرته على استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى. معنى ذلك أن الضربة لا يمكن أن تكون وخزة إبرة. والأرجح أيضاً أن أوباما سيذهب مع خيار الضربة حتى لو لم يوافق الكونجرس، أو انقسم حول ذلك. يبدو أنه بدأ يدرك حجم الخطأ، وحجم ثمن هذا الخطأ الذي تسبب به تردده لأكثر من سنتين في اتخاذ موقف واضح وحازم من المأزق السوري. بسبب هذا التردد تفسخ الوضع هناك بأبشع ما يمكن، وتراكم ضعف المعارضة، وفتحت أبواب الحرب أمام المتطرفين، وتضاعفت تكاليف الحرب ومآسيها. ثم بدأت عدوى التردد تنتشر، وبدأت تتعقد الحسابات خارج حدود الإدارة، فخارج واشنطن، ثم خارج حدود أميركا نفسها. بل ربما أدرك أوباما أن التفاتته لجنوب شرق آسيا على حساب الشرق الأوسط في هذه اللحظة تحديداً تهدد بإعادة رسم الخريطة السياسية لهذه المنطقة من دون أن تكون واشنطن طرفاً رئيسياً في هذه العملية. فتح تردد أوباما خياراً جديداً أمام خصوم أميركا لمحاولة فرض واقع سياسي جديد للشرق الأوسط. سياسة أوباما حتى الآن تفقد واشنطن خيار المبادرة بشكل تدريجي في موضوع إستراتيجي للسياسة الخارجية الأميركية. السبيل الوحيد لوقف هذا المسار هو بتوجيه ضربة هدفها المباشر النظام، لكن رسالتها تتجاوز إلى ما هو أبعد من النظام.
على الجانب الآخر هناك الرئيس السوري بشار الأسد. هو الذي فجر الأزمة، ويحتل مكان القلب منها. إلا أنه لا يملك بعدَ ما يقرب من ثلاث سنوات على انفجارها حلاًّ سياسيا لها. ثقافته، وخياراته، وتحالفاته لا تسمح له بذلك. وضع نفسه في زاوية لا يستطيع الخروج منها إلا في اتجاهين لا ثالث لهما: الانتحار السياسي أو دويلة بحماية الطائفة على الساحل. سيكون في الأخير أول من يدفع الثمن. هنا تبدو المفارقة الكبيرة. مركزية موقع هذا الرئيس لا تتجاوز البعد العسكري الذي تتمحور حوله الأزمة حالياً. أما دوره بالنسبة للبعد السياسي الذي سوف تستقر عليه سوريا في نهاية الأمر فيبدو هامشياً. كيف؟ هو ليس قائداً شعبياً يخوض حرب تحرير وطنية. وليس زعيماً يقاتل من أجل خيار سياسي وأيديولوجي خارج حدود العائلة والطائفة. يقاتل من أجل بقائه في الحكم، ومن أجل بقاء طائفته، مرتكزاً وحامياً لهذا الحكم. يعتبر أن أي تنازل بمثابة تسليم بخروجه وخروج عائلته وطائفته من الحكم إلى العراء السياسي. يحاول المحافظة على الإرث الذي ورثه عن والده، لكن من دون الذكاء الإستراتيجي الذي كان يحتمي به هذا الوالد. تحول بفعل الأزمة التي افتعلها إلى مجرد طرف في حرب أهلية مدمرة. يملك جيشاً قوياً. لكن الجيوش في الحروب الأهلية لا تستطيع الهروب من قدر تحولها إلى ميليشيات، وإنْ ميليشيات كبيرة.
تتحالف إيران، ومن خلفها حزب الله، مع بشار الأسد لسبب، وروسيا لسبب آخر، والصين لسبب ثالث. ودلالة هذا واضحة: ليس هناك مشترك واحد بين هذه الأطراف الأربعة. بشار في هذه المعادلة ليس أكثر من ورقة ضغط سياسية يستخدمها حلفاؤه لتحسين موقعهم التفاوضي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد. ما يهم روسيا هو وقف المد الإسلامي الذي بدا أن الربيع العربي يدشنه في المنطقة. الصين معنية بعرقلة الالتفاتة الأميركية إلى المنطقة التي تتصاعد فيها قوتها الاقتصادية والعسكرية. لكن كلاًّ من روسيا والصين تدرك أن الأسد ليس أكثر من ورقة مرحلية موقتة، تفتقد للعمق الشعبي داخل سورية، وفي المنطقة ككل. وهذا ما يفسر إعلان وزير الخارجية الروسي أن بلاده لن تكون طرفاً في أي حرب قد تشعلها ضربة أميركية ضد النظام السوري.
بالنسبة لإيران يهمها موقع سوريا في العالم العربي وعلى البحر المتوسط. لكن، وعلى خلاف روسيا والصين، يهمها أيضاً الانتماء والاحتماء الطائفيين للنظام السوري. من دون ذلك تبقى سورية عصية على الهيمنة الإيرانية. بسبب هذا الانتماء تحالف معها الأسد الأب، ثم اعتمد عليها الأسد الابن لحمايته والدفاع عنه، لأن انتماءه للطائفة تحول إلى احتماء بها. ولهذا السبب تحديداً بقيت الأولويات التي يتميز بها بشار الأسد لا تتجاوز حدود هذا الانتماء والاحتماء المترتب عليه، فهو أول رئيس للجمهورية السورية يصل إلى الحكم بواسطة التوريث. الأمر الذي أضعفه في الداخل وألجأه إلى حماية العائلة والطائفة. وهو أول رئيس تنفجر في عهده ثورة شعبية. ومن ثم أول رئيس يقتصر دور الجيش في عهده على مواجهة المتظاهرين، وتدمير المدن من أجل مصلحته السياسية. وهو أول رئيس «بعثي» يُدخل سوريا في تحالف مغلق مع دولة غير عربية (إيران). ومن ثم أول رئيس سوري يُخرج سورية من لعبة الأقطاب والتوازنات العربية. واتساقاً مع هذا النهج هو أول رئيس سوري يتسبب في إخراج سورية من الجامعة العربية، وهي عضو مؤسس فيها. كما أنه أول رئيس سوري تخرج قواته من لبنان بما يشبه الطرد بقرار دولي. وأول رئيس لسورية لا يجد حليفاً عربياً يقف معه في أخطر أزمة تواجهها سورية في تاريخها. ثم إن بشار أول رئيس يعيد تأسيس دور سورية الإقليمي انطلاقاً من فكرة تحالف الأقليات في المنطقة، وليس من فكرة عروبة سورية، وأنها القلب النابض لهذه العروبة، كما يقال. وعلى خلفية كل ذلك، فإن بشار هو أول رئيس سوري يفجر حرباً أهلية في سورية على أسس طائفية في مجتمع يتميز بتعدديته الإثنية والمذهبية، ويميل دائما نحو استيعاب العلمانية.
على خلفية هذه الأولويات ربما كشفت الثورة السورية، والحرب الأهلية التي أفرزتها، لإيران هشاشة وخطورة استناد دورها الإقليمي على الانتماء الطائفي لها ولحلفائها في منطقة تستند إلى إرث طائفي عميق. تدرك إيران أن بشار فقد شرعيته محلياً وإقليمياً ودولياً. بات عبئاً سياسياً على الجميع. يبدو لاعباً مركزياً. لكنه أبرز اللاعبين الذين سوف يخسرون ويخرجون من المشهد. والحقيقة أن بشار لم يختر الدور الذي انتهى إليه، ساقته الأقدار إلى حيث هو. كان المفترض أن يكون عمه رفعت هو من يرث أخاه حافظاً في الحكم. لكن الصراع انفجر بينهما وهدد بإدخال سورية في حرب أهلية في بداية ثمانينات القرن الماضي. ثم كان المفترض أن يكون باسل، شقيق بشار، هو خليفة أبيه. لكن الأقدار لم تسمح بذلك. أخيراً استقر التوريث على بشار. ربما استبشرت طهران بهذه النهاية التي جعلت من عاصمة الأمويين ورقة سياسية بيدها. وتكتشف الآن أن الأمر ليس بالسهولة التي بدا عليها. لكن مأزق إيران في أن دورها الإقليمي مرتبط بانتمائها المذهبي من ناحية، وأن المستقبل السياسي لحليفها في دمشق بات خلفه من ناحية أخرى. من ناحية ثالثة هناك رئيس إيراني جديد (حسن روحاني) لا ينتمي للمحافظين ولا للإصلاحيين. هل يفسر كل ذلك تهنئة الرئيس الجديد ليهود العالم بعيدهم لرأس السنة؟ فعل ذلك في حسابه على تويتر، وباللغة الإنجليزية، وليس الفارسية. ثم قدم وزير خارجيته التهنئة نفسها، باللغة نفسها، وعلى حسابه في تويتر أيضاً. وأضاف الوزير في تغريدة أخرى أن إيران لا تنكر الهولوكوست، على عكس ما كان يقول به الرئيس السابق أحمدي نجاد. تبدو طهران وكأنها تريد استعادة التواصل مع واشنطن من خلال تل أبيب، وإن بشكل غير مباشر. ترى كيف ينظر الرئيس السوري لهذه الخطوات الرمزية التي تأتي من حليفه الأهم قبيل ضربة أميركية محتملة لقدراته العسكرية؟ وكيف يفسر تراجع حدة التصريحات الإيرانية ضد «الشيطان الأكبر» وهو يحضِّر لمثل هذه الضربة؟
* كاتب وأكاديمي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.