الملك عبدالله - يحفظه الله - مشغول بالوطن وأحوال المواطن باستمرار ولا يريحه أن يتكرر الحديث عن مشكلات البطالة أو ندرة السكن أو تأخر علاج مريض. ودائماً يقول للوزراء والمختصين، الدولة لم تقصر مع أبنائها وعليكم بأن تستثمروا خير هذه البلاد وتعالجوا أوجه النقص، لأنني لا أريد أن أرى محتاجاً أو مظلوماً لم نعطه حقه. يعترض على أي إجراء لا تكتمل فيه العناصر المؤدية إلى إنجازه، ودائماً يوجه المسؤولين إلى تقديم أفكار أو حلول أو مقترحات بناءة. أما بالنسبة إلى نظرته لأحكام القصاص، فإنه ينظر إليها من زاويتين، الأولى هي أن شرع الله فوق الجميع ولا خلاف عليه، لكن المهم أن يكون حكم القاضي مستوفياً لشروط العدالة والتثبّت. ثانيه لأنه يكره أن يرى أحداً في هذا الوضع، ويردد باستمرار ويكرر: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وينصح الناس بضرورة الابتعاد عن الأمور الموجبة للقصاص، ولا يتأخر في السعي بين الناس والشفاعة عند أهل القتيل، وقد كلف أخي الأمير تركي بن عبدالله بمتابعة هذه الأمور مع أهل الدم، ابتغاء للخير وسعياً إلى إصلاح ذات البين. للملك عبدالله نظرة مختلفة للسياسة، فهو يؤكد - باستمرار - على أهمية اقتران التفكير السياسي بالقيم والأخلاقيات، ويرى أن أي تصرفات تتعارض مع القيم فإنها غير مقبولة عنده حتى وإن اعتبرها غيره ضرورية لتحقيق الأهداف السياسية. الملك إنسان واضح، ولا يحب «اللف والدوران»، ويؤمن بأن مواجهة القضايا أفضل من الدوران حولها وإضاعة الوقت. وهو يتعامل مع الزعماء والقادة والساسة بمقاييسه هو، ويدعوهم باستمرار إلى التعامل معه ومع بلاده بالطريقة نفسها، ودائماً يقول إن الصدق أقرب مسافة بين نقطتين. تفكير الملك في حوار الأديان قديم، إذ كان يرى أن الكثير من الصدام بين الحضارات هو بسبب غياب الحوار، بل وجهنا قبل حوالى 20 عاماً بطرحه في مهرجان الجنادرية وكأنه - حفظه الله - يقرأ المستقبل، وعندما دعا إلى الحوار انطلاقاً من مكةالمكرمة عام 2008 وتابعه بعد ذلك في مدريد ثم نيويورك، كان مقتنعاً بأن التركيز على القيم المشتركة والاهتمام المتبادل كفيلاً بإنجاح أي حوار بين أتباع الأديان والثقافات لتقليص الفجوة الفكرية بين الجميع، فهو الآن سعيد - أولاً - بأن أصبحت الدعوة عالمية بعد أن تبنتها الأممالمتحدة، وبعد أن تأسس مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان أيضاً، وبعد أن أصبحت الاجتماعات متوالية، وهو متأكد بأنها ستوصل البشرية إلى مواقف مشتركة وتقلل من الحروب والخلافات والتدمير المتبادل. مواقف الملك معلنة من هذه القضايا، وهي خلاصة دقيقة لآرائه وتوجهاته، فقد شغلته مسألة البحرين لأنه يشعر أن الشعب البحريني والشعب السعودي شعب واحد، وما يضر بأشقائنا هناك يضر بشعبنا، والحمد لله أن أبناء البحرين الشقيق أثبتوا أنهم يخافون على وطنهم ويحرصون على سلامته، وها هي طاولة الحوار تجمعهم ونأمل أن يكون في ذلك خير. الأمور طيبة - كما يراها طويل العمر - وإن كان يتمنى أن تتحقق خطوات أسرع نحو الاستقرار هناك حتى تدخل البلاد مرحلة إعادة البناء وتتفرغ للتنمية لأن شعبها يستحق ذلك ونحن معهم - كما يؤكد ذلك خادم الحرمين الشريفين - في كل لقاءاته الرسمية مع الإخوة الأشقاء في اليمن. لا يزعج الملك شيء قدر انزعاجه عندما تصل إليه معلومة أكيدة عن مسؤول لا يقف على الحقيقة على الطبيعة ويتصل بالناس ويسمع منهم، ولذلك فإنه كثيراً ما يوجهنا إلى ضرورة القيام بزيارات ميدانية وملامسة الأوضاع عن قرب. لعلكم تتذكرون حديثه الأخير بعد إعلان الموازنة الأخيرة، وذلك عندما تحدث فيها بتفاؤل كبير عن مستقبل هذه البلاد، عندها قال لأبنائه المواطنين هذا الكلام، وتلك نعمة كبيرة من الله علينا جميعا، يدعونا باستمرار إلى تذكرها وشكر الله سبحانه وتعالى عليها. [email protected]