أشار بيده للتاكسي بشكل قلق. كان متردداً في مد يده؛ فذلك هو التاكسي الخامس الذي لم يقف له. كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وهو يريد أن يصل إلى بيته في المريوطية. كان الأمر صعباً. هو يعرف ذلك، فالكل يتكلم عن خطف وقتل السائقين على الطريق الدائري، هو نفسه قرأ في يوم واحد عن أربع حالات ولما دخل على «النت» وجد أكثر من شخص يتكلم عن حوادث مماثلة، بل وكان حديث زملائه في العمل عن هذا، ولكن العجيب أن السيارة توقفت بعد أن تجاوزته بمسافة قصيرة. أنزل السائق زجاج الشباك الأمامي، فقال له على الفور: - المريوطية. - فين في المريوطية؟ - شارع اللبيني. حدث هذا الحوار السريع والسائق يتفحصه بنظراته. كان يعرف أنه سيكسب في تلك المعركة، فشكله يوحي بالتعاطف وأنه مواطن بسيط ليس ثورجياً وليس بلطجياً وهو ما يسهل له الكثير من الأمور، فهو لا يفهم كثيراً في السياسة وكل هدفه ألا يفقد عمله وأن تعود الحياة كما كان يعيشها صعبة ومُرة، مع دخل يكفي بالكاد أسرته الكبيرة. - اتفضل. فتح السائق الباب وأشار له بيده. جلس في المقعد. وبينما كان السائق يغلق بيده الباب، شاهد امرأة منقبة تجلس في الكرسي الخلفي. لعبت الهواجس بعقله. هل هي زوجة السائق؟ لو كانت زوجته لكانت جلست إلى جواره. ربما تكون متجهة إلى المريوطية مثله والسائق وجدها فرصة لزيادة الأجرة. نظر بعينه إلى «العداد». وجده يعمل، وهي إشارة طمأنته قليلاً. وجد المبلغ 20 جنيهاً. هذا يعني أنها راكبة معه منذ ما يقرب من ساعة. سأل نفسه: هل يمكن أن تكون هذه السيدة صديقة أو عشيقة السائق ومتخفية. استغفر ربه وتمنى أن تكون راكبة تأخرت لسبب ما. تمنت ألا يظن أي منهما: السائق والراكب، ظناً سيئاً بها، فهي غير معتادة علي التأخر حتى هذا الوقت من الليل، بل إنها لا تخرج من بيتها إلا لشراء المستلزمات، ولكن ما حدث هذا اليوم مختلف عن كل ما حدث في حياتها، فقد أقسم زوجها أنها لن تبيت عند أمها في ذلك اليوم وأنها إذا ظلت هناك وطلع عليها النهار ستكون طالقاً. تعرف أنه تجاوز معها وظلمها كثيراً، ولكن هذا كان اختيارها من البداية، كانت تبحث عن شخص ملتزم وصممت على الزواج منه ضد رغبة إخوتها وأمها وأجبرتهم على ذلك ولم تستمع أبداً لما قالوه عن تشدده أو أنه قد يكون طامعاً في ميراثها من أبيها. لديها أربعة أبناء، ولن تستطيع طلب الطلاق، فهي لا تحب أن تكون فاشلة. أخرجت مدية صغيرة من حقيبتها ووضعتها أسفل القماش المتدلي من النقاب؛ فربما يكون السائق والراكب لصين. تممت على الغوايش في حقيبتها وتأكدت من الفلوس في المحفظة، وتحفزت للرد على أي هجوم مباغت. هاجم ذلك الهاجس السائق فجأة. ربما يكون هذا الرجل يشكل عصابة ما مع تلك السيدة، لقد حدث ذلك مع أحد أصدقائه منذ يومين، حيث ركبت سيدة وبعدها بمسافة ركب رجل ورفعت السيدة السلاح على السائق ثم سرقا التاكسي وبعد يومين ساوماه على إعادته إليه مقابل مبلغ من المال. لن يقع في ذلك الخطأ، فهذه العربة هي كل ما يملكه من حطام الدنيا. معه «بخاخ» فيه «ماء نار» سيرشه عليهما، وبعدها يسرع إلى شنطة السيارة ليخرج منها عصا غليظة أعدها للدفاع عن نفسه. - ما تشغلنا حاجة نسمعها. هكذا كلمه الراكب. شعر بتوجس. ربما يريد أن يشغله ريثما يخرج سلاحاً يهاجمه به. - ما تشغلنا حاجة. - طيب نسأل الأخت الأول. - وطيه واسمع اللي أنت عايزه. هكذا قالت. عزم الراكب عليهما بعصير وفتح العلبة الكرتونية ليشرب منها. لم تأخذ السيدة، أخذ السائق العلبة ولكنه لم يفتحها. - إيه؟ مش بتشرب ليه؟ - هتعشى الأول وبعدين أشربه. - براحتك. - الله يخليك. انتهى الكلام بينهم وخيم عليهم الصمت، بينما التاكسي يتحرك بسرعة كبيرة على الطريق الدائري، وسط عمدان النور المظلمة وصوت العربات الموازية للسيارة وصوت الموسيقى الناعمة، وترقب الثلاثة.