صمدت قاعة «كليرخنس بال هاوس» في وجه حربين عالميتين وجواسيس شيوعيين وفيلم لكوينتن تارانتينو لتصبح بعد مئة سنة على تشييدها قاعة رقص اسطورية في أوساط السهر في برلين. فعند حلول الليل وأمام واجهتها القديمة، تنتظر سيدات مسنّات، وقد اعتمرن تيجاناً وانتعلن أحذية بكعوب عالية، دورهن للدخول الى جانب شباب محبين للسهر يرتدون سراويل جينز ضيقة. وتكتب ماريون كييسوف في كتابها المكرس لهذه القاعة الذي نشر لمناسبة مرور مئة سنة على تأسيسها وهو بعنوان «برلين ترقص في كليرخنس بال هاوس»: «كل نظام سياسي ترك بصماته لقد رقص الجميع على حلبة الرقص التاريخية هذه في عهد الاباطرة وفي حكم المستشارين أو رؤساء مجلس (شيوعي) المدينة، أكانت برلين مقسمة أو موحدة». في مدينة هزتها اضطرابات كثيرة وتجددت صورتها باستمرار، تشكل استمرارية هذا المكان حدثاً استثنائياً، كما تؤكد الكاتبة الشغوفة بالمكان الذي مشطته من القبو الى العلية بحثاً عن رسائل حب وصور قديمة، وحتى عن خرائط عسكرية خلفها الجنود خلال الحرب الاخيرة ، لتروي بذلك قصة المكان الفريد. ففي مطلع القرن العشرين كانت برلين تضم نحو 900 من هذه القاعات. لكن الكثير منها لم يصمد امام القصف، وفي سبعينات القرن العشرين وثمانيناته هجر محبو السهر هذه الأمكنة مفضلين عليها علب الليل ومن ثم النوادي التي انتشرت في مناطق صناعية مهملة في المدينة. وحدها ثلاث قاعات رقص من الحقبة الامبراطورية لا تزال قائمة في وسط برلين، إلا أن «كليرخنس» هي الوحيدة التي تقدم أمسيات راقصة بشكل شبه يومي مع رقص التانغو والسالسا والبوب ودانس ميوزيك، وهي تعتبر الاكثر محافظة على أجوائها الاصلية. فتحت الصالة ابوابها في 13 أيلول (سبتمبر) 1913 تحت اسم «بولر» وهو مالكها الاول، قبل ان تتخذ اسم «كليرخنس» وهو لقب زوجته كلارا، وهي ابنة مزارع بروسي كانت من اولى سيدات برلين اللواتي حصلن على اجازة سوق. وأثرت الحرب العالمية الاولى سلباً على الاعمال فقررت كلارا تأجير القاعة لمبارزات بالسيف التي على رغم حظرها كانت تلقى رواجاً كبيراً في صفوف الطلاب. وبموازاة ذلك كانت تنظم حفلات راقصة لأرامل الحرب. في ظل الرايخ الثالث حظرت الرقصات «غير الجرمانية» مثل التانغو، الا ان السهرات تواصلت وكانت تجذب أحياناً مسؤولين نازيين من مستوى رفيع. لكن في الحرب العالمية الثانية، منع وزير الدعاية النازية جوزف غوبلز الحفلات الراقصة فأغلقت القاعة أبوابها العام 1944. وأصبحت القاعة الواقعة في برلينالشرقية في ظل عهد المانياالشرقية مكاناً سيئ السمعة معروفاً حتى في ألمانيا الغربية بأنه يقدم المشروبات بأسعار بخسة وب»النساء الرخيصات»، وكان يستقطب الجنود والعمال والممثلين التجاريين. وتحولت القاعة ايضاً الى وكر لمخبري الشتازي، الشرطة السرية الالمانية الشرقية. وفي العام 1967 سلمت كلارا القاعة الى زوجة ابنها ألفريدة فولف التي تولت ادارتها حتى سقوط جدار برلين العام 1989.