واصلت مدينة طرابلس شمال لبنان لملمة جراحها بعد التفجيرين اللذين ضرباها الجمعة الماضي، فيما باشرت الهيئة العليا للإغاثة دفع تعويضات أولية لأصحاب المساكن التي تتعذر الإقامة فيها قبل ترميمها وعددها 222 مسكناً، فيما بقيت الاتصالات من أجل بلورة مبادرة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ودعوته الى تشكيل حكومة جامعة والالتقاء حول طاولة الحوار الوطني، مكانها. وإذ قفز الى اهتمامات كبار المسؤولين اللبنانيين تتبّع التطورات الخارجية، لا سيما الحديث عن استعداد الولاياتالمتحدة الأميركية ودول غربية لتوجيه ضربة عسكرية ما للنظام في سورية بعد اتهامه مباشرة من عواصم هذه الدول باستخدام السلاح الكيماوي ضد قوات المعارضة والمدنيين في ريف دمشق، فإن المخاوف من استمرار مسلسل التفجيرات التي ضربت منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية وطرابلس بقيت تشغل الأجهزة الأمنية والمواطنين من زاوية ضرورة اتخاذ تدابير احترازية وتعزيز قدرات الأجهزة لمواجهة الاحتمالات السيئة. وبينما عممت قوى الأمن الداخلي رسمين تشبيهيين لمشتبه فيه بوضع السيارة المفخخة التي انفجرت أمام مسجد التقوى في طرابلس، علمت «الحياة» من مصادر مطلعة على التحقيقات الأمنية أن بعض من استمعت الأجهزة الأمنية إليهم أو من اشتبهت فيهم، سيحالون الى قاضي التحقيق العسكري قريباً، ومنهم الشيخ أحمد الغريب الذي ظهر في إحدى كاميرات المراقبة أمام مسجد السلام بُعيد الانفجار يتحدث هاتفياً فيما المصلون يفرون من المكان، وأن استجوابه كشف تناقضاً في أقواله، وأن تتبّع اتصالاته الهاتفية دفع المحققين الى التوسع في الاستماع لأقواله. وانخرطت هيئات المجتمع المدني أكثر فأكثر في التدابير الاحترازية المطلوبة، فعُقد اجتماع في دار الافتاء في طرابلس صدرت عنه قرارات وتوجيهات في شأن حماية محيط المساجد، وحضره رجال دين مسيحيون ومسلمون استنكروا «تصرفات غير مسؤولة حصلت تجاه الأجهزة الأمنية» ودعوا الى التعاون معها. وترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعاً تنسيقياً بين الأجهزة المولجة مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، حضره ممثلون عن وزارة الصحة والصليب الأحمر والدفاع المدني وفوج الإطفاء والجيش وقوى الأمن الداخلي، وتقرر إنشاء غرفة عمليات مركزية. أما على صعيد الاتصالات لتأليف الحكومة، التي اعتبرت مصادر رسمية أن الحال التضامنية الشعبية والروحية والوطنية التي ظهرت حول ضحايا تفجيري الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية وتفجيري طرابلس، شكلت دفعاً نحو استعجال ولادتها، نظراً الى استشعار عامة الناس بالحاجة الى ملء الفراغ الحكومي لمواجهة مخاطر المرحلة المقبلة، فإن مصادر سياسية اعتبرت أن الأجواء الإقليمية الناشئة في الساعات الماضية حول احتمال توجيه ضربة عسكرية غربية وأميركية للنظام السوري قد تحتم انتظار التطورات على هذا الصعيد، على رغم أن التفجيرات التي ضربت الضاحية وطرابلس أخذت ترجح الاتجاه نحو حكومة سياسية بدلاً من خيار الحكومة الحيادية، لضمان مواجهة انعكاسات أي تطورات أمنية. وبينما أخذت أوساط رسمية وسياسية تترقب التقارير عن احتمال الضربة الأميركية وانعكاسات رد النظام السوري وحلفائه عليها على الساحة اللبنانية، قالت مصادر وزارية إن هذه الانعكاسات تتوقف على نوعية الضربة وعلى حجمها ورقعة اتساعها والمدة التي ستستغرقها وبالتالي يصعب التكهن بتداعياتها على لبنان، مع أنه لا بد من أن تحصل تداعيات أمنية لا يمكن تحديدها منذ الآن. وفي مقابل ترجيح أوساط أن يقود كل ذلك الى مزيد من الانتظار في شأن تأليف الحكومة، فإن زوار الرئيس سليمان نقلوا عنه أمس أن مبادرته السبت الماضي الى الدعوة لحكومة جامعة، ناجمة عن اقتناعه بأن لبنان لا يستطيع انتظار الوضع الإقليمي الدولي بعد الآن. وقال الزوار «الرئيس سليمان يعتقد أن الوضع الإقليمي المتأزم لا يبدو ذاهباً نحو تسوية ولا إلى حسم عسكري وبالتالي لا يمكن للبنان أن يستمر متفرجاً على ما يجرى من دون حكومة». وتابع الزوار أن سليمان يرى ضرورة تأليف حكومة يتوجه بها الرئيس المكلف تمام سلام الى المجلس النيابي حتى لو لم تنل الثقة. لينسحب منها من يريد الانسحاب فيتحمل المسؤولية عندها. وذكر مصدر مقرب من سليمان ل «الحياة» أن ما قاله عن حكومة جامعة السبت الماضي بدا غامضاً للبعض، لكن المقصود به أن يتمثل جميع الفرقاء فيها على أساس صيغة الرئيس سلام السابقة، أي 8+8+8 تتوزع على قوى 14 آذار و8 آذار والوسطيين، بحيث لا يحصل أي فريق على الثلث المعطل. وأكد المصدر أن رئيس الجمهورية قصد أيضاً بدعوته الى النأي عن المصالح الخارجية والإقليمية ليس تغيير الفرقاء انحيازهم الى هذا الفريق أو ذاك من الأزمة السورية، لأن هذا لم يعد ممكناً، وتحديداً لم يعد في استطاعة «حزب الله» الانسحاب من المعارك في سورية، إنما ألاّ يُبحث الخلاف على الأزمة السورية في الحكومة. وشدد المصدر على أن سليمان لا يرى أنه ستكون مشكلة على بيان الحكومة الوزاري طالما أنها ستتشكل على قاعدة التسليم باختلاف الموقف بين الفرقاء حول الأزمة السورية ويتركز عملها على الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتطويق الانعكاسات السياسية والأمنية في الشارع لأي تفجيرات أمنية متوقعة في لبنان. فيما يستمر رئيسا الجمهورية والحكومة ومن معهما بالتمسك بإعلان بعبدا. وأوضح المصدر المقرب من سليمان أن تشكيل الحكومة يتطلب قراراً جريئاً وحكيماً، والكرة في هذا المجال في ملعب قوى 14 آذار، التي ما زالت ترفض المشاركة مع «حزب الله» في حكومة طالما هو متورط في القتال في سورية، فيما الوضع الأمني بات يتطلب صيغة غير الحكومة الحيادية التي اقترحتها. وذكّر المصدر بأن الإقدام على الحكومة الجامعة يتطلب بالتالي تساهلاً من حلفاء الرئيس سلام.