استحضر المصريون أجواء الترقب المشوب بلذة المفاجأة، والتخوف المخلوط بنشوة المباغتة وقت كانت مقاطع «الجزيرة» الحصرية وخبطاتها التلفزيونية وسباقاتها الصحافية تصول وتجول في جبال «تورا بورا» حاملة شعار «حصري» المحبب إلى قلب كل إعلامي والمؤجج لحب استطلاع كل مشاهد. وعلى عكس لحظات كثيرة استقطعوها خلال سنوات لمتابعة ما كانت «الجزيرة» وحدها مختصة ومحظوظة به من كلمات أسامة بن لادن التحذيرية ورسائل أيمن الظواهري التكفيرية باعتبارها متابعة لشأن إرهابي خارجي يظهر فيه أبطال هذا الإرهاب على الشاشات في مشاهد نادرة تثير قشعريرة الاشمئزاز التي لا تخلو من وهج الإطلالة على أسرار الإرهابيين الذين يهزون أرجاء العالم هزاً، اصطبغت لحظات الانتظار الأخيرة مساء أول من أمس بألوان القرف والخوف والترقب بحكم اختصاص الظهور الحصري عبر «الجزيرة» هذه المرة بهم وبما يواجهونه من إرهاب داخلي. وحين أطل عليهم القيادي «الإخواني» محمد البلتاجي بطلته البهية الحصرية عبر «الجزيرة» تحولت شكوك بعضهم بأن مصر تواجه إرهاباً عاتياً إلى يقين لا ريب فيه. هذا اليقين بدد مظاهر التعب وطرد أمارات الملل التي لحقت بكثيرين أنهكتهم الأحداث المتلاحقة وأتعبتهم الثورات المتتالية وأفقدهم توازنهم انكشاف الوجوه وتعري النوايا وقبح الغايات، وإن ظلت صدمتهم الكبرى في من ادعوا انهم «الناس بتوع ربنا». الظهور المباغت للبلتاجي المطلوب باتهامات التحريض على القتل على أثير «الجزيرة» وفي الفضاء العام أثار توقعات متباينة. بعضهم توقع أن يكون ظهوره عبر «مقطع بالصوت والصورة حصري على الجزيرة» نذير شؤم على صاحب المقطع مثلما كان مع بن لادن. آخرون عادوا موقتاً عن قراراهم الإرادي بمقاطعة قناة «الجزيرة» لمتابعة الكلمة عملاً بالقول المأثور «البلتاجي يبرر الجزيرة» أو «الغاية تبرر الوسيلة». فريق ثالث توقع فحوى كلمة البلتاجي والتي كانت حتماً ستدور حول «الشرعية المغتصبة» واعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي «السلمي» ومعتصميه الذين رد الأمن على «سلميتهم» بكل عنف، منوعاً ومشكلاً فيها بين استهداف وقنص وقتل وحرق وتمثيل بالجثث، ومؤكداً أن الجيش هو من يقتل جنوده في شمال سيناء، وداعياً بالطبع إلى «ثورة 30 آب (أغسطس)» المعنونة «إخوانياً» ب «ثورة الغضب»، وفي قول ثان «مليونية سحب التفويض من وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي»، وفي رواية ثالثة «يوم الحسم»، ومن ثم لم ينشغل أعضاء هذا الفريق بكلمات البلتاجي قدر انشغالهم بشاربه المميز الذي غاب في الشريط المتلفز. وكالعادة كان «تويتر» امتلأ عن آخره بهاشتاق «شنب البلتاجي» و «فين شنب البلتاجي» بعد دقائق من شريط «الجزيرة» الحصري، ليتساءل كثيرون عن مصير «شنب» البلتاجي. استبعدت الغالبية أن يكون البلتاجي تنكر بحلق شاربه، لا سيما أن ملامحه مميزة للغاية وتحتاج إلى مجهود أكبر في التمويه عكس صفوت حجازي الذي انتهج نهج شون كونري، أو مراد علي الذي «تكجول» بحلق لحيته والتخلص من شاربه وارتدى الملابس الكاجوال، أو أسامة ياسين الذي حلق لحيته وصبغ شعره. وتراوحت التحليلات العميقة بين أن يكون «شنب البلتاجي» انشق عن الجماعة، أو أن يكون أقرضه لأخ من الأخوة ليتنكر به، في حين تغنى آخرون بأوبريت «تسلم الأيادي» المهدى إلى الجيش المصري ولكن بتحوير كلماته إلى «تسلم الأيادي ياللي حلقت شنب البلتاجي». وبعيداً عن الهزل وعودة إلى الجد وتحديداً إلى جدية الجماعة وحلفائها والمتعاطفين معها الذين استشعروا أمناً واستبشروا خيراً وهللوا فرحاً لظهور البلتاجي، لا سيما بعد إشاعات عن وقوعه في قبضة الأمن على مدى الأيام السابقة. تكبيرات عدة وتهليلات كثيرة نضحت عبر تدوينات وتغريدات يتخذ أصحابها وصاحباتها من أصابع «رابعة» الأردوغانية الأربعة «بروفايلاً» لها: «ما شاء الله شكله أكثر صموداً وقوة وتحدياً. النصر قادم إن شاء الله»، «البلتاجي هادئ متأثر بوفاة ابنته يحب وطنه بجنون»، «ظهور البلتاجي صدمة للانقلابيين وعقبال الصدمة الكبرى بعودة الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي» وغيرها. وسواء أدى ظهور البلتاجي الحصري على «الجزيرة» إلى صدمة «الانقلابيين» أو «الإسلاميين»، ينشغل الشارع المصري بأحاديث البلتاجي و «شنب» البلتاجي و «ستارة» البلتاجي التي ظهر متحدثاً من أمامها. فبين مؤكد أن هذا النوع من الستائر غير موجود إلا في محافظة الشرقية، ما يرجح اختباءه هناك، ومرجح أن تكون الستارة في أحد المراكب النيلية، ومتأرجح بين أن تكون الستارة على سبيل التمويه أو التجميل. ووصل الأمر إلى درجة أن أصبح ل «ستارة البلتاجي» هاشتاق هي الأخرى جمعت فصائل المصريين وشتاتهم، وذلك بين كاره للجماعة يحذر كل من يمتلك ستارة شبيهة بإزالتها فوراً حتى لا تكون دليل إدانة، وكاره لما سوى الجماعة يدعو الأخوة إلى المسارعة بتعليق ستائر مشابهة لمساعدة البلتاجي حتى لا تسهل عملية تحديد مكانه. ومع ظهور البلتاجي و «شنبه» وستارته حصرياً على «الجزيرة»، يتأهب المصريون لما هو آت. فإما القبض عليه وانتهاجه نهج رموز الجماعة حيث التأكيد على عدم التحريض وتبرير دعوات إشعال مصر وتفجير سيناء واستهداف الجيش والشرطة بأنها «لحظة غضب» أو «شطحة صخب»، أو يتبين أنها رسالة متلفزة لحشد الحشود وتجييش الجماعة لمحاولة «إخوانية» أخيرة لإعادة ركوب «ثورة يناير» بعدما لفظتهم موجتها الأخيرة.