استيقظ المحافظون الجدد من جديد. بدأوا حملة إعلامية كبيرة لتصوير الرئيس باراك أوباما مجرد «ملون» ضعيف الإرادة لا يليق بأميركا وتاريخها وكبريائها. وإن اتخذ قراراً فإنما الانسحاب من هذه المنطقة أو تلك، وتركها للروس واللاعبين المحليين. والمحافظون الجدد لا يقتصرون على بضعة أسماء من التروتسكيين السابقين الذين تحولوا إلى نمور نازية في الولاياتالمتحدة، أمثال بول وولفوفيتز و «أمير الظلام» ريتشارد بيرل وغيرهما (ليس من قبيل الصدفة أن يكونوا كلهم قد تتلمذوا على يد الفيلسوف اليهودي من أصل ألماني ليو شتراوس) بل إن فكرهم منتشر في كل الأنحاء في أوروبا وفي أميركا، خصوصاً في الأوساط السياسية اليمينية في البرلمانات والمؤسسات الحكومية وفي الصحافة والإعلام ومراكز الأبحاث، مثل معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يأخذ هؤلاء وغيرهم على أوباما أنه متردد لم يحسم أي مسألة من المسائل التي طرحها «الربيع العربي». حتى في ليبيا قادت فرنسا وبريطانيا الحملة لإطاحة القذافي، وكانت مشاركته محدودة. ويأخذون عليه عدم قطع المساعدات العسكرية عن الجيش المصري انتصاراً ل «الإخوان المسلمين» الأصدقاء. وأنه لم يحسم أمره منذ اندلاع الأحداث في سورية فلم يزود المعارضة أسلحة نوعية تمكنها من الانتصار على الجيش. ولم يتصدّ لإيران. ولم يشارك إسرائيل رؤيتها الخطر الذي تمثله طهران وضرورة ضربها لتفكيك «محور الشر». ثم إنه نقل الصراع الاستراتيجي من الشرق الأوسط، حيث إسرائيل درة التاج الأميركي، إلى الشرق الأقصى. وحتى في هذه المنطقة ترك بكين تمد نفوذها، وتكثف حمايتها كوريا الشمالية. ماذا يريد هؤلاء؟ إنهم يريدون إشعال الحروب في كل الأصقاع. فلسفتهم أن الحضارة لا تقوم إلا على الخراب. هذا ما حصل في أميركا بعد إبادة الهنود الحمر. وهذا ما حصل في أستراليا بعد إبادة السكان الأصليين. وهذا ما حصل في فلسطين بعد إبادة عدد كبير من أهلها وطرد مئات الألوف من أرضهم. يريد المحافظون نشر هذه الفلسفة الدموية وتطبيقها في كل مكان كي تنهض الحضارة الحديثة على أنقاض القديم وتسود منظومة القيم الأميركية. فلسفة خير من طبقها جورج بوش الابن، وقبله رونالد ريغان. ويخططون للهجوم على سورية وإطاحة الأسد واستبدال نظامه بنظام موال، حتى لو اقتضى الأمر حرباً شاملة في الشرق الأوسط تدخل فيها إيران وتركيا والدول العربية وإسرائيل. وربما كان السيناتور جون ماكين أفضل من عبر عن هؤلاء الآن. قال ماكين: لأن أوباما لم يستخدم القوة في سورية «أعطى الأسد ضوءاً أخضر لارتكاب المجازر». وانتقد تردّده في إرسال قوات لحماية المدنيين. وأردف أنّ «كلمة رئيس الولاياتالمتحدة لم تعد تؤخذ على محمل الجد». ورسم سيناريو للحرب، مؤكداً أن القوة الجوية الأميركية تستطيع الاستيلاء خلال أيام قليلة على مدرجات القوات الجوية السورية والطائرات التي تستخدم للهيمنة على أرض المعركة في مواجهة المسلحين المعارضين ونستطيع فرض منطقة حظر جوي بنقل صواريخ باتريوت إلى الحدود... يمكن القيام بذلك بسهولة بالغة». ليس أوباما أقل حماسة لنشر القيم الأميركية. لكنه يرى الأمور من منظور آخر، منظور عبر عنه رئيس أركان الجيوش مارتن ديمبسي عندما قال إن «الجهة التي علينا دعمها يجب أن تكون مستعدة لتعزيز مصالحنا ومصالحها عندما يتغيّر ميزان القوى، وهذه الجهة غير موجودة الآن». أوباما سيتدخل عسكرياً في سورية عندما يرى أن التدخل يؤمن المصالح الأميركية. وهو يرى الآن أن الفوضى المنتشرة في الشرق الأوسط تؤمن هذه المصالح من دون دفع دولار واحد أو خسارة جندي واحد. أثبت أوباما أنه أميركي أكثر من أي أبيض، بالمعنى البراغماتي للعبارة. فهو لا تحركه الأيديولوجيا بل المصلحة. والطرفان متساويان في النزعة إلى الحروب كي تحيا أميركا.