يظهر أن ذاكرة نوري المالكي خانته عندما صرح أنه لا يريد أي تدخل في شؤون سورية كأنه نسي أن وجوده في رئاسة الحكومة العراقية لم يكن لولا التدخل الأميركي لإطاحة الديكتاتور العراقي صدام حسين. إن موقف المالكي من النظام السوري الذي كان في بداية عهده على خلاف عميق معه يندرج في إطار مثلث بين العراق وإيران و «حزب الله» يدعم نظاماً يستخدم جيشه لقتل أبناء شعبه. وروسيا تحمي هذا النظام حتى إشعار آخر لأنها تريد استعادة نفوذها الماضي في فترة الاتحاد السوفياتي. صحيح أن التدخل الأميركي في العراق أسفر عن كارثة للمنطقة ولكن في نفس الوقت لولا هذا التدخل لما انتهى حكم صدام حسين. ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أساءت في شكل كبير في دخولها إلى العراق عندما فكك بول بريمير الجيش العراقي الذي كان بإمكان الإدارة الأميركية أن تعتمد عليه. ثم أكملت إدارة الرئيس أوباما الحالية تسليم العراق إلى إيران. وموقف المالكي من النظام السوري يعكس ذلك بشكل واضح. فقوله إنه إلى جانب الشعب السوري مضحك مبكٍ أن يكون مسؤول عراقي حالي ناضل ضد البعث وقاوم حكم صدام حسين لعقود ويتمنى للشعب السوري الذي يدعي أنه يقف إلى جانبه أن يبقى تحت نفوذ حزب البعث الذي كان يكرهه. إن مؤتمر أصدقاء سورية في إسطنبول وقبله في تونس وبعده في باريس لن يؤدي إلى نتيجة على الأرض في سورية طالما أن الجيش السوري يقصف شعبه بمباركة روسيا لأسبابها الخاصة. وتؤكد المعلومات الفرنسية أن روسيا تملك منظومة مراقبة واستماع لكل الشرق الأوسط في سورية وقاعدتها العسكرية في طرطوس أساسية. فهل يرى المالكي أن هذا التواجد الروسي ليس تدخلاً خارجياً في سورية؟ وكذلك دعم إيران و «حزب الله» للنظام السوري فهو ربما في رأي المالكي ليس تدخلاً خارجياً في شؤون سورية. غريبة انتقائية المسؤول العراقي الذي لم يصبح مسؤولاً منتخباً في بلده إلا بعد تدخل الولاياتالمتحدة سواء كان تدخلاً كارثياً أم لا. أما السياسة الأميركية للرئيس أوباما الذي لا يريد أي تدخل عسكري أينما كان فهي أيضاً غير مفهومة وفيها تناقض. ويقول ذلك بوضوح السناتور الأميركي الجمهوري المعارض جون ماكين الذي ينتقد ضعف الموقف الأميركي إزاء الوضع في سورية، فمن ناحية يقول أوباما إن على الرئيس السوري أن يرحل ومن ناحية أخرى فسياسة الإدارة الأميركية غير فاعلة لا على صعيد الضغط على روسيا ولا حتى على الحليف العراقي. إن الرئيس أوباما أعطى شعوب الشرق الأوسط آمالاً كبرى بالنسبة لملفات الشرق الأوسط وخصوصاً المسار السلمي الفلسطيني الإسرائيلي ولم يفعل شيئاً، حتى أن الوضع السوري يناسب إسرائيل حيث تحول التركيز من المسار الفلسطيني إلى الملف السوري. فالإدارات الأميركية المتتالية مخيبة للأمل حتى أن النفوذ الروسي استطاع أن يفرض نفسه على موقف أميركي ضعيف ومتراجع. إن الرئيس الروسي ميدفيديف وعدنا بأن خطة أنان هي الفرصة الأخيرة من دون تحديد فترة أقصى لهذه الفرصة الأخيرة. والأسرة الدولية والدول العربية ضائعة أمام الوضع الكارثي في سورية. فهل سيوافق النظام السوري على دخول 240 مراقباً أممياً ليتأكدوا من وقف إطلاق النار في سورية؟ كل ذلك سيأخذ وقتاً لأن النظام السوري يعمل لكسب الوقت ويستمر في قصف شعبه. واعتراف 80 دولة في إسطنبول بشرعية المجلس الوطني السوري أمر إيجابي في وجه نظام سوري غير شرعي لا يبقى للاعتراف به إلا مثلث إيران - «حزب الله» - العراق، إضافة إلى الروس حتى إشعار آخر لأن الروس ليسوا معروفين بوفائهم للحلفاء وقد يتخلون عن النظام السوري إذا رأوا أن مصلحتهم مع الشعب السوري والأسرة الدولية. فالأفق ليس مسدوداً كلياً بالنسبة للتغيير في سورية خصوصاً أن الشعب على الأرض شجاع ولن يتراجع عن كسب حريته. والعقوبات على سورية مؤثرة وموجعة ولكن في نفس الوقت بحسب ما يقوله بعض المسؤولين السوريين السابقين إن الموسم الزراعي في سورية كان جيداً والاكتفاء الذاتي بالمواد الغذائية يساعد النظام على التخفيف من تأثير العقوبات. ولكن هل يمكن للنظام أن يستمر على هذه الوتيرة من القمع والقتل مثلما يحدث في حمص وفي ادلب مع انتشار العنف أينما كان؟ إن ما تشهده سورية حالياً يعيدنا إلى ذاكرة أليمة في لبنان في الحرب الأهلية حيث كان لنظام البعث السوري دور أساسي فيها. والأمل ألا يسمح الشعب السوري للنظام أن يقسمه ويلعب على الطوائف المختلفة مثلما فعل في لبنان. فعلى الشعب السوري أن يعيد إلى الذاكرة الأخطاء التي ارتكبت من اللبنانيين الذين وقعوا في فخ مناورات نظام البعث لتقسيم الطوائف ودفعها إلى الاقتتال.