لم يكن زواج القاصرات في سورية استثناء، ولم تكن القوانين السورية تمنع الزواج المبكر، فالصلاحيات الممنوحة للقضاة كانت ولا تزال تكفي لاجتثاث طفلات بعمر الورود من محيطهن الطفولي وتحويلهن إلى مجتمع الحريم بين ليلة وضحاها. فكيف هي الحال اليوم في ظلّ غياب القوانين وفي ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي تحوّل الأطفال سلعاً تُباع وتُشترى، بل طوق نجاة وهمياً تتخذه العائلات للفرار من شبح الفقر والعوز الذي يحيط بها. الفقر ومخاوف الاغتصاب في المناطق الساخنة بات تزويج الفتيات الصغيرات «منجاة» من مسألتين، الأولى تكمن في التخلص من عبء المصروف والطعام والكساء الذي لا تقدر معظم العائلات الفقيرة على توفيره لأبنائها. والثانية هي أخطار الاغتصاب أو التحرش الجنسي الذي قد تتعرض له الفتيات في حالات النزاعات العسكرية والاقتحامات التي تقوم بها القوى المسلحة، والتي يدفع ثمنها النساء والأطفال أولاً. تقول كارلا وهي ناشطة تعمل في ملجأ للنساء المعنّفات: «هناك ازدياد ملحوظ في تزويج الصغيرات في السنتين الأخيرتين، بخاصة في أوساط العائلات التي فقدت المعيل، واستقبلنا فتيات كثيرات عجزن عن إكمال مهزلة تزوجيهن برجال أكبر منهن سناً بعد أن تخلّت عنهن عائلاتهن». وتضيف: «هناك ثلاث فتيات مقيمات في دار الإيواء من ضحايا الزواج المبكر، منهن فتاة في السابعة عشرة حالياً لا تزال تعاني مشكلات صحية نتيجة إجهاضات متكررة لعدم احتمال جسمها الحمل». وفي الداخل كما في مخيمات اللجوء تدفع الطفلات ثمناً باهظاً عندما يصوّر لهن الأهل أن الزواج «دفة الخلاص لهن مما يحيط بهن من فقر وتضييق وحرمان وحجز للحرية»، وقد سجلت مئات الحالات لزواج فتيات قاصرات لقاء صفقات مالية هزيلة غالباً ما تنتهي بطريقة مأسوية. وإذا كانت المسألة أثارت جلبة إعلامية في مخيمات اللجوء والتي عبّرت عنها حملة «لاجئات لا سبايا» التي تطرّقت إلى مسألة زواج الصغيرات في ما تناولته، فإن تزويج الصغيرات يتم بهدوء وبصمت قاتل في الداخل السوري وبلا ضجة إعلامية. ويرى أحد المحامين أن المشكلة مضاعفة ولا تقتصر على اغتصاب إرادة الفتاة القاصر وإرغامها على الزواج بأول رجل حتى ولو كزوجة ثانية أو ثالثة، بل تتعداها إلى عدم تسجيل الزواج في المحاكم الشرعية والاعتماد على أوراق شيوخ أو «كتاب براني»، كما يُسمّى باللغة المحلية، بحجة أن تسجيل الزواج صعب بسبب صعوبة الوصول إلى المحاكم، ما يؤدي إلى انتهاك جديد ومضاعف لحقوق الطفلة التي لا تمتلك قدرة على قول كلمة في ظلّ سيطرة مطلقة لذكور العائلة عليها. سامية فتاة في السابعة عشرة من جسر الشغور أقنعت بالزواج بقريب لها يكبرها بخمسة عشر عاماً قبل عام، لكن مقتله بعد أشهر قصيرة من زواجهما دفعها إلى الالتحاق بعائلتها التي فرت من جسر الشغور إلى ضواحي دمشق. ويقول والدها أبو عابد: «لا علاقة لما يجري بقرار تزويج ابنتي، فابنتاي الأخريين تزوجتا في العمر نفسه تقريباً، نحن في الأرياف نزوّج بناتنا باكراًً، أما وفاة زوجها فقضاء وقدر». ويتحدث جيران عائلة أبو عابد عن طريقة معاملته ابنته التي أصبحت أرملة قبل أن تبلغ سن الرشد، وكيف أنه لن يتورع عن تزويجها بأول شخص يتقدم لها مهما كانت صفاته، مع تأكيدهم أن الفتاة كانت تتعرض لأشكال مختلفة من العنف من زوجها المتوفى. تسقط كل أوهام الإنجازات التي تحققت على صعيد حقوق الطفل في سورية عند أول سماح قضائي بتزويج طفلة في الرابعة عشرة من عمرها، وتسقط اتفاقيات حماية حقوق الإنسان والأطفال من عليائها عند أول حادثة اغتصاب ترتدي ثوب الزواج المبكر تُرتكب على مرأى المجتمع وبمباركة منه.