السفر إلى أفغانستان من إحدى رغباتي التي لم تتحقق حتى الآن، بسبب الأوضاع الأمنية هناك، وعدم توافر الوسائل المناسبة، لتحقيق هدف الرحلة، لكن شغفي وحبي للبحث واكتشاف تاريخ كرة القدم الآسيوية، يجعلني أحياناً لا أفكر بواقعية، وحب المغامرة يدفعني إلى الجنون، وإن وُجدت الفرصة في المستقبل فلن أتردد في زيارة أرض الأفغان إطلاقاً. الأرشيف الآسيوي الضعيف في القارة الصفراء يجعلنا نبني الأنطباع بحسب الأهواء، فليس كل الأندية اليابانية والكورية الجنوبية قوية في آسيا كما نعتقد، كذلك عندما نتحدث عن كرة القدم في أفغانستان فلا نتصور سوى ذلك المشهد في فيلمThe Kite Runner عندما دخلت سيارات حركة «طالبان» إلى ستاد كرة القدم في العاصمة كابول، أثناء مباراة ضمن الدوري الأفغاني، ووسط حضور جماهيري متوسط، والتمركز وسط أرضية الملعب، لتنفيذ حكم الزنا على امرأة ورجل، ليصرخ الجمهور «الله أكبر»! يبدو أن الأفغان أخذوا القساوة من الطبيعة الجغرافية لبلدهم التي تشتهر بالجبال الوعرة، كما أنها دولة «حبيسة» لا سواحل لها على البحار، لذلك استعجب كيف تأسس الاتحاد الأفغاني لكرة القدم في 1922؟ فكما هو معلوم أن كرة القدم انتشرت في آسيا بفضل الجيش الإنكليزي الذي كان يحتل الأراضي بقوة جيشه البحري. المتوقع أنهم عرفوا كرة القدم من جيرانهم قبل التأسيس الرسمي للعبة، وأتصور أن مطلع القرن ال20 شهد عملية تأسيس الأندية الكروية، بيد أن من الطبيعي أن مسابقات كرة القدم انطلقت رسمياً في العام نفسه لتأسيس اتحاد القدم. غداً ينطلق الدوري الأفغاني الممتاز في نسخته الثانية بمشاركة 8 أندية، الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» وصف هذه الانطلاقة بحدث تاريخي، أتفقُ مع هذا الوصف في بلد لم يعرف الهدنة والسلام منذ 1979، فلعبة كرة القدم ستوحد الشعب، وتنشر الأمن والأمان، وتشغل الناس بعيداً على العنف والحروب، كما أنها ترفع من مستوى النشء علمياً وعملياً. علي عسكر، مراقب المباريات في الدوري الأفغاني، يتوقع أن يصل عدد الحضور في الجولة الأولى إلى 6000 متفرج! على رغم ظروفٍ قاهرةٍ تمرّ بها. أفغانستان! الكلام لك يا جارة التي تسكن في غرب آسيا. هذه مجرد بداية حالمة للأفغان، لكن المنتخب الأفغاني عاش أيضاً حدثاً تاريخياً هذا الأسبوع، عندما استضاف المنتخب الباكستاني في العاصمة كابول، لا تهم النتيجة، المهم أنها أول مباراة تقام في أرض الأفغان منذ 2003، بل بحسب «فيفا»، فأنها أول مباراة يستضيفونها في البلاد، على رغم أنني متأكد أن هناك مباريات أقيمت في الخمسينات والستينات، إلا أن أرضهم لم تشهد أية مباراة منذ 35 عاماً على الأقل باستثناء مباراة 2003 أمام تركمانستان. المنتخب الذي قابل باكستان فيه 10 لاعبين «محترفين» خارج أفغانستان من أصل 100 لاعب، تم إرسالهم إلى أوروبا وأميركا ضمن مشروع إعادة كرة القدم في أفغانستان لممارسة كرة القدم كمحترفين في درجات دنيا من مسابقات كرة القدم، ولا يزال الوقت باكراً للحكم عليهم. قد تصل درجات الاستهانة إلى السخرية، فاعتدنا من هذا الشعب أن يعمل من أجلنا، لكنه مرّ بتجارب مريرة من الحروب الأهلية والغزوات الأجنبية. لذا، فإنجاز كرة القدم إذا ما تحقق، فإنه لن يقل قيمة عن إنجاز الكرة اليابانية المبهر. [email protected]