يستعد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري لإطلاق مبادرة في الأيام المقبلة عبر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان باتجاه جميع الأطراف المعنيين بتأليف الحكومة يتطلع من خلالها الى إخراج مساعي التأليف من دائرة الجمود التي وصلت إليها بسبب إصرار رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على شروطه في الحقائب والأسماء. ولا يلوح في الأفق حتى الساعة ما يدعو إلى التفاؤل بإمكان ملاقاة الأقلية البرلمانية زعيم الأكثرية في منتصف الطريق للإسراع في توفير الظروف لتأمين ولادة طبيعية للحكومة العتيدة قبل ان يتوجه الرئيس سليمان الى نيويورك على رأس الوفد اللبناني لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 الجاري. وعلمت «الحياة» ان الحريري يتريث في إطلاق مبادرته الى حين الانتهاء من جولة جديدة من المشاورات المكثفة بدأها في اليومين الأخيرين وشملت المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل والقيادي في «التيار الوطني الحر» وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل موفداً من عون الموجود حالياً في رحلة استجمام في أحد المنتجعات في تشيكيا، والقيادي في «حزب الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان، على ان يستكملها بلقاءات مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أو من يمثله والقيادات المسيحية الرئيسة في قوى 14 آذار، فيما يتواصل مع سليمان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. ومع ان التطورات في شأن الوضع الحكومي كانت امس محور الخلوة القصيرة التي عقدت في بلدة بيت الدين بين سليمان وجنبلاط على هامش زيارة الأخير على رأس وفد نيابي وحزبي وروحي مقر بيت الدين للترحيب بانتقال رئيس الجمهورية الى المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية لتمضية بضعة ايام، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اكد بعد الزيارة ان «ليس لدينا أي مطلب خاص، نتمنى فقط ان ننجح، وأن ننجح سوية في تأليف الحكومة من اجل إطلاق عجلة الإنماء والوفاق الوطني». لكن ما أعلنه بقرادونيان بعد مقابلته الحريري من ان الرئيس المكلف سيقدم بعد ان يستكمل مشاوراته مع اطراف المعارضة والأكثرية نسخة أولية لصيغة حكومية الى سليمان، دفع باتجاه السؤال عن مضمون هذه الصيغة. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة للمشاورات التي يجريها الحريري انه قرر الانتقال بالاتصالات الى موضع متقدم لوضع جميع الأطراف امام مسؤولياتهم وهذا لن يحصل ما لم يبادر كرئيس مكلف الى طرح صيغة لا يتوخى منها الضغط او التهويل بمقدار ما انه يطمح من خلالها الى وضع النقاد على الحروف تاركاً للرأي العام ان يقول كلمته في الوقت المناسب باعتبار ان سياسة المرونة والانفتاح التي لا يزال يتبعها لم تلق التجاوب المطلوب من قبل بعض الأطراف في الأقلية التي تصر على التعامل معه وكأنه الحلقة الأضعف في عملية تأليف الحكومة، خلافاً لحقه الدستوري في هذا المجال بالتعاون مع رئيس الجمهورية ولميزان القوى في البرلمان الذي يرفض ان يستخدمه، وهو يسعى الى تشكيل حكومة تقوم على مبدأ الشراكة والتوازن في آن معاً. وبحسب المعلومات، فإن الحريري لم يبلغ هذا الخيار إلا بعد ان نفد صبره من المناورات ولعبة الابتزاز والاستنزاف التي يمارسها عليه البعض، مع انه لا يزال يفضل عدم الدخول في سجالات، وبالتالي اتباع سياسة النفس الطويل لاستيعاب الحملات التي تستهدفه في معرض السؤال عن دوره في أخذ المبادرة بعد انقضاء 70 يوماً على تكليف تشكيل الحكومة الجديدة. وكشفت المصادر عينها ان الحريري بدأ التحضير لصيغة أولية للحكومة سيبادر الى طرحها على رئيس الجمهورية، وقالت انه يمكن ان يتجاوز في الصيغة المرتقبة التوزيع العادل والمتوازن للحقائب على قوى 14 آذار والأقلية ورئيس الجمهورية الى إدراج لائحة بأسماء الوزراء مع ان «حزب الله» وحركة «أمل» لم يستجيبا الى طلبه تسمية ممثليهما في الحكومة بذريعة انه يجب التفاهم على توزيع الحقائب كخطوة أولى تسبق الاتفاق على الأسماء. وأكدت المصادر عينها ان التواصل القائم بين الحريري وقيادة «حزب الله» لم يحقق أي تقدم يمكن أن يوظف لتسجيل اختراق يدفع لتفاهم بخصوص الحكومة العتيدة، وقالت ان اللقاء الذي عقد منتصف ليل أول من امس بين الحريري وخليل لم يؤد الى إخراج المشاورات من دائرة المراوحة الى الدخول في صلب التأليف. وأوضحت ان قيادة الحزب تتجنب حتى الآن التقدم من الحريري بلائحة بأسماء ممثليها في الحكومة بذريعة انها تفضل الاتفاق أولاً على توزيع الحقائب كمدخل للبحث في الأسماء مع ان الحزب لا يزال ينظر في هذه الأسماء ولم يتوصل الى قرار نهائي في شأنها، فيما قالت مصادر في «امل» ل «الحياة» ان الرئيس المكلف يصر على التحدث بلغة يغلب عليها التهدئة والانفتاح والمرونة والاستعداد للتعاون ولم نصل الى مرحلة الدخول في الأسماء مع ان الجو العام ليس مشجعاً لاتخاذ مبادرة من جانب واحد. ولفتت هذه المصادر الى انه يفهم من موقف «حزب الله» انه مصر على تضامنه الكامل مع حليفه «التيار الوطني الحر» فيما يتجنب أكثر من مسؤول في «امل» توضيح موقف الرئيس بري علماً انهم يكررون القول انهم أقل تأثيراً على عون وأن الأمر ليس بيدهم، مع ان الموقف الذي أعلنه اخيراً وزير الصحة محمد جواد خليفة وهو حليف ل «أمل» يضعها في مرتبة التضامن الى جانب الحزب في موقفه من «التيار الوطني الحر». وأكدت أن خليل كرر امام الحريري موقف الحزب لجهة ضرورة التحدث مباشرة مع عون من دون ان يطلق أي إشارة باتجاه التعاون لفتح ثغرة تضع حداً لاستمرار التأخير في ولادة الحكومة ومجدداً قوله ايضاً ان عون قدم تسهيلات بخصوص تخليه عن التمثيل النسبي في الحكومة وموافقته على صيغة 15-10-5 في توزيع الوزراء. وفي المقابل، فإن الحريري كرر ما يقوله باستمرار في المآدب الرمضانية في قريطم من ان الأكثرية تنازلت عن مطالبتها بثلثي اعضاء الحكومة ووافقت على 15 وزيراً أي من دون النصف زائداً واحداً في الحكومة. إضافة الى ما قدمته من ضمانات وتطمينات بالنسبة إلى التوافق على القرارات الأساسية وعدم إخضاعها للتصويت في مجلس الوزراء والإبقاء على البند الخاص بسلاح «حزب الله» مادة للحوار. ولم تستبعد المصادر المواكبة ان يبادر الحريري الى تطوير موقفه باتجاه التلويح بموقف متقدم في حال قوبل طرحه للصيغة بالرفض من قبل الأقلية ولم يتم التعامل معها على اساس انها صالحة لفتح حوار جدي يمكن ان يقود الى توافق لتسريع تأليف الحكومة. ومع ان المصادر نفسها ترفض الدخول في توضيح ما تقصده من إقدام الحريري على اتخاذ موقف متقدم فإنها تسأل عن الجدوى من استنزاف الرئيس المكلف وما اذا كانت اسبابه خارجية أكثر منها داخلية على رغم ان اجتماعه امس مع الوزير باسيل لم يحقق أي تقدم، إذ ان الأخير رفض عرضه تطبيق مبدأ المداورة في الحقائب معتبراً ان ما يطالب به «التيار الوطني الحر» هو حق مشروع لن يتنازل عنه، ومجدداً تمسكه بتمثيل تكتل التغيير بخمسة حقائب من بينها الاتصالات والداخلية باعتبارها جميعها من حقوقه وليست فقط للمطالبة من اجل المقايضة. لكن وصول المفاوضات الى ما يشبه الطريق المسدود، يطرح سؤالاً حول مدى تحمل الأقلية وتحديداً «حزب الله» مسؤولية تداعيات الموقف المتقدم الذي سيلجأ إليه الحريري في حال رفض صيغته وعدم فتح الباب امام تجديد المساعي للوصول الى تفاهم على قاعدة استعداد الجميع لتقديم تنازلات متبادلة بدلاً من إقحام البلد في ازمة تتجاوز تأليف الحكومة الى أزمة حكم في ظل غياب البديل عن الحريري إذا ما طور موقفه باتجاه الاعتذار. وفي حفل افطار أقامه أمس لأهالي منطقة البقاع الغربي - راشيا قال الحريري أنه سيقوم خلال الأيام القليلة المقبلة «بخطوات عدة للتوصل إلى تشكيل الحكومة من خلال طرح منطقي، إذ أنني لست في وارد القيام بأي أمر غير منطقي. ولن يكون طرحي من باب التحدي لأحد». وتساءل: «أين هو التعطيل؟ هل هو إقليمي؟»، قبل أن يستطرد: «أن يكون التعطيل من الداخل ولا نستطيع حله، فهذه مصيبة أكبر».