ظهر أمس أن الحكم الموقت في مصر يعتمد مسارين للتعاطي مع جماعة «الإخوان المسلمين»، فشدد قبضته الأمنية على قواعد الجماعة من جهة، ما أدى إلى ارتباك في صفوفها ظهر جلياً في إلغاء مسيرات كانت أعلنتها، وفتح المجال لعناصر «الإخوان» من جهة ثانية ل «مراجعة مواقفهم» والانخراط في العملية السياسية. وعشية اجتماع أوروبي طارئ مقرر اليوم في بروكسيل لمراجعة العلاقات مع مصر، التقى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مساء أمس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لمدة ساعة في باريس، بعد لقاء جمع وزير الخارجية القطري خالد العطية ونظيره الفرنسي لوران فابيوس. وذكرت قناة «العربية» ان سعود الفيصل اتفق مع هولاند على منح فرصة لخريطة الطريق التي وضعها الجيش للانتخابات. وكان الموضوع الأساسي في المحادثات الوضع في مصر كما تم التطرق إلى الوضع في سورية. ودعا فابيوس إثر اللقاء مع العطية إلى «ضرورة وقف سفك الدماء في مصر بسرعة والتوصل إلى حوار مصري داخلي بين جميع الأطراف، وأن تشارك جميع الدول ذات النوايا الطيبة للعمل في هذا الاتجاه»، فيما قال العطية إن «قطر لا تساعد الإخوان المسلمين بل تساعد الشعب المصري، ولو كانت تساعد جهة واحدة لكانت أوقفت مساعداتها المستمرة إلى الآن». وكشف مصدر ديبلوماسي رفيع مطلع على المحادثات ل «الحياة» أن الوزير القطري طلب التنسيق بين الدول المؤثرة في مصر «للضغط على أصدقائها لإطلاق سراح المعتقلين والحض على التفاوض في شكل مباشر من أجل حوار مصالحة قبل أن يفوت الاوان، وإلا سيكون الوضع معقداً وخطيراً جداً». ولفت إلى أن «فابيوس أكد أنه سيستكشف هذه الأفكار لأن دوامة العنف في مصر خطيرة جداً». وتعهد وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي أمس مواجهة محاولات «تركيع الدولة وحرق الوطن»، لكنه دعا أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي إلى «مراجعة مواقفهم الوطنية وأن يعوا جيداً أن الشرعية ملك للشعب يمنحها لمن يشاء ويسلبها متى يشاء وأن حماية الدولة ستبقى أمانة في أعناق الجيش والشرطة والشعب المصري». واعتبر أن «مصر تتسع للجميع». غير أن بياناً صدر عن الحكومة عقب اجتماعها مساء أمس تجاهل الحديث عن مبادرة كان أطلقها نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين تعتمد إنهاء فورياً لحال الطوارئ وإشراك كل الأحزاب السياسية في العملية السياسية وضمان حقوق الإنسان بما في ذلك حق التظاهر. واكتفت بتعهد «الاستمرار في مواجهة الإرهاب بكل حزم وحسم، والمضي قدماً في الوقت ذاته في تنفيذ خريطة الطريق»، ما يظهر أن الانفتاح على «الإخوان» لم يلق صدى واسع في مجلس الوزراء. ونفى السيسي ضمناً خلال لقاء مع ضباط أمس نيته الترشح للرئاسة في الانتخابات المتوقعة العام المقبل، معتبراً أن «شرف حماية إرادة الشعب أعز من حكم مصر، ليس في سبيل رغبة وسلطان أو إقصاء لأحد». وأضاف أن «للشعب إرادته الحرة وأن يختار من يشاء لحكمه، والقوات المسلحة والشرطة سيظلان أمناء على إرادة الشعب في اختيار حكامه». وشدد على أن «من يتصور أن العنف سيركع الدولة والمصريين يجب أن يراجع نفسه، ولن نسكت أمام تدمير البلاد والعباد وحرق الوطن وترويع الآمنين ونقل صورة خاطئة إلى الإعلام الغربي بوجود إقتتال داخل الشارع». لكنه فتح المجال أمام أنصار مرسي للانخراط في العملية السياسية قائلاً ان «مصر تتسع للجميع، ونحن حريصون على كل نقطة دم مصري». وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب دعا في بيان صوتي مساء أول من أمس «الإخوان» إلى «الجنوح إلى السلم والجلوس على مائدة الحل السلمي». وقال مخاطباً الجماعة إن «مشاهد العنف لن تكسب استحقاق لأحد والشرعية لا تكتسب بدماء تسيل وفوضى في البلاد والعباد... ومستقبل مصر لن يستقل برسمه فصيل دون آخر، ومن حق الجميع أن يشارك في صنع هذا المستقبل». وكشف القيادي في «الجماعة الإسلامية» المنخرطة في «تحالف دعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان» محمد ياسين أنه أجرى اتصالات مع شخصيات مستقلة «لوضع مبادرة جديدة لرأب الصدع وإيقاف العنف ونزيف الدماء كي لا نسير في نفق مظلم». وقال ل «الحياة» إنه أجرى اتصالات مع شخصيات مستقلة مثل القاضي البارز زكريا عبدالعزيز وراعي كنيسة شبرا القس صليب متى ورئيس محكمة استئناف القاهرة أحمد الخطيب «وسنجتمع اليوم لصوغ مبادرة تقوم على وقف التحالف التظاهرات والتوافق على بعض بنود الدستور، والنظر في التبكير بإجراء الانتخابات الرئاسية إضافة إلى إطلاق القيادات التي اعتقلت على خلفية مشاركتها في التظاهرات». وأوضح أنه «عقب صوغ تلك المبادرة سيتم عرضها على قادة التحالف، وأتوقع أن يقبلوها، لعرضها بعد ذلك على الجيش الذي أرجح أيضاً أن يقبلها، فرغم تمكنه من الوضع على الأرض إلا أنه يعلم أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا الوضع». وللمرة الأولى منذ عزل مرسي، ألغى «تحالف دعم الشرعية» فعاليات احتجاجية كانت مقررة أمس في محافظتي القاهرة والجيزة بالتزامن مع ضربة أمنية موجعة استهدفت القيادات المحلية ل «الإخوان»، ما أثر في قدرة الجماعة على الحشد، وسط ارتباك يسود قيادات الصفين الثاني والثالث خشية اعتقالات. لكن ياسين قال ل «الحياة» إن قرار إلغاء التظاهرات سببه «إجهاد الناس لأنهم منذ أسابيع في الشارع، فقررنا أن نُراعي ذلك الأمر في تكتيك جديد لعدم إنهاك أنصارنا». ورأى أن الحملة الأمنية «لم تؤثر لدرجة الحد من القدرة على الحشد». وظهر ارتباك في موقف التحالف الذي أعلن في بيان رسمي إلغاء تظاهرات القاهرة والجيزة، ثم عاد فأكد أن تظاهرات ميدان روكسي في شرق القاهرة هي فقط التي تم إلغاؤها، داعياً أنصاره إلى الاستمرار في الحشد أمام المحكمة الدستورية العليا. وبعدها أعلن أن تظاهرات «روكسي» قائمة. لكن تلك التظاهرات جميعاً لم يكن لها أي صدى حتى اقتراب سريان حظر التجوال في السابعة مساء رغم أنها كانت مقررة عصراً. وفي المحافظات أيضا لم تخرج تظاهرات كبرى لأنصار مرسي، ما عزز من فرضية الارتباك في صفوف الجماعة، خصوصا بعد الحملة الأمنية التي استهدفت قادتها الإقليميين. لكن التحالف دعا مساء أمس الى مسيرات ليلية لكسر حظر التجوال. وقالت وزارة الداخلية في بيان أمس إن «عددا من أعضاء الإخوان (المعتقلين) أحدثوا حالاً من الشغب والهرج في محاولة للفرار أثناء ترحيلهم من مديرية أمن القاهرة إلى سجن أبو زعبل لتنفيذ قرارات النيابة بحبسهم احتياطياً، واحتجزوا ضابطاً من قوة الترحيل»، قبل أن تنقل جريدة «المصري اليوم» عن مصادر أمنية ان 38 من معتقلي «الإخوان» قتلوا «في اشتباك بين قوات الشرطة ومسلحين هاجموا مأمورية ترحيل المتهمين قرب منطقة سجون أبو زعبل».