سعود بن طلال يطلق عددا من الكائنات الفطرية في متنزه الأحساء الوطني    أمانة الشرقية تستثمر في الائتمان الكربوني دعما لسلامة المناخ    رينارد يتحدث عن موقف الثنائي من لقاء اندونيسيا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1%    أمير الشرقية يطلق هوية مشروع برج المياه بالخبر    وزير الدفاع يستعرض مع حاكم ولاية إنديانا الأمريكية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    مستشفى الأسياح ينقذ حياة رضيعة عمرها 27 يوماً    «التعليم»: إلغاء ربط العلاوة بالرخصة المهنية    القبض على باكستاني لترويجه 6.6 كلجم من الشبو بمنطقة الرياض    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    قمة مجموعة العشرين تنطلق نحو تدشين تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى استقلال بلاده    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    حسابات ال «ثريد»    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    لغز البيتكوين!    الله عليه أخضر عنيد    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فض الاعتصام شهادة على مهنية الدولة و «عشوائية» الإخوان
نشر في الحياة يوم 16 - 08 - 2013

سقطت أكثر من أسطورة لرجال السلطة العرب في السنوات القليلة الماضية، شنقاً أو تنكيلاً أو هرباً أو سجناً، لكن الدرس يبقى ضائعاً على الجدد والقدامى بين رجال السلطة العرب من مصر إلى سورية إلى العراق إلى لبنان. الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وجماعته من «الإخوان المسلمين» في حال إنكار تام لواقع واضح، وهو أن لا عودة عن إسقاط مرسي وسقوط «الإخوان» بمزيج من الزخم المدني لرفض فرض الدين على الدولة، ومن الفشل المدهش لممارسة «الإخوان المسلمين» الحكم وخيانتهم للمبادئ الديموقراطية. الرئيس السوري بشار الأسد يشابه «الإخوان المسلمين» الذين يحاربهم في سورية، إذ كلاهما يُسيل الدماء كجزء من المعركة على السلطة، وهو أيضاً في إنكار لواقع استحالة عودة حكم البعث والأسد لسورية كما كان مهما كسبت له إيران و «حزب الله» معارك في موازين القوى، ومهما حصل على معونات نوعية من روسيا والصين، ذخائر كانت أو طائرات بلا طيار، فلا محمد مرسي مستعد للإقرار بأن لا عودة له إلى الكرسي ويتذرع بانتخابات وولاية و «شرعية»، مكرّساً نفسه نموذجاً جديداً للقديم المعهود ومثالاً على تحقير أهداف ثورة التغيير في مصر، ولا بشار الأسد جاهز للتخلي عن البقاء في الحكم، مهما كلّف ذلك من دماء السوريين أو تقسيم لسورية، أقله لفترة تسعة أشهر أخرى، متذرعاً بضرورة إكمال ولايته «الشرعية» مع الإصرار على حقه بالترشح ثانية للرئاسة إذا شاء. الحرب الأميركية في العراق أتت بالرئيس نوري المالكي إلى السلطة احتفاء بديموقراطية حلّت مكان سلطوية الرئيس المخلوع صدام حسين وحزب «البعث». وها هو المالكي يختال كالطاووس في نرجسية السلطة لينصّب على ولاية ثالثة له ضارباً بعرض الحائط الاحتجاج الشعبي وما سيسفر عنه تمسكه بالحكم من هدر دماء وربما تقسيم للبلاد. في لبنان فشل «حزب الله» في الحكم عبر حكومة موالية وله فيها الأكثرية. وهو الآن يصرّ على إفشال تشكيل حكومة جديدة كي تبقى السلطة له عبر إحداث فراغ متعمد يشل البلاد. وهذا أطلق موجة جديدة نوعياً بين الثلثين الآخرين من اللبنانيين قوامها الاستعداد للانفصال بدلاً من الخضوع لإملاءات الثلث الذي يزعم «حزب الله» انه الناطق باسمه وأنه مخوّل للدفاع عن حقوقه السياسية بالسلاح وبأدوات الاعتصام. في مصر «الإخوان»، كما في لبنان «حزب الله»، تم استخدام الاعتصام لرهن البلاد وليس للإصلاح. لم يكن الاعتصام مدنياً بل كان مسلحاً ومدبّجاً بالأطفال والنساء في فوج طليعي لاستقطاب الكاميرات ولتكبيل أيدي قوات الدولة لمنعها من فض الاعتصام. ما حدث في الاعتصام الذي استُخدِم في مصر -ولبنان- هو عصيان أمني وتهديد أمني بهدف الهيمنة على صنع القرار العام بالقوى والفرض وليس بهدف إصلاح وضع شاذ للمشاركة في صنع القرار عبر الحوار.
في لبنان، أدى الاعتصام إلى ارتهان الدولة، وأدى الارتهان بدوره إلى حلقة مفرغة من الفراغ السام الذي زرع بذور الشكوك والخوف و... ثم، الآن، بذور السأم من التخويف والإملاء والارتهان واستبدالها بالاستعداد للانفصال في ظل تعثر التعايش. هكذا أصبح الهوس بالسلطة وسيلة لتقسيم محتمل للبلاد، بل أسفر عن ردود فعل جديدة فحواها «فليكن». فليكن، إذا نفّذ «حزب الله» تهديده أو تلميحه باللجوء إلى السلاح ضد اللبنانيين، كما حدث في 7 ايار (مايو) قبل سنوات. فليكن، إذا كان الانفصال أو التقسيم في كونفيديراليات هو الجواب لتجنب الفرض والتخويف والإملاء. فليكن، إذا طفح الكيل من الارتهان. فليكن، لأنه كفى.
مصر أمر آخر. مصر فيها دولة وجيش وقوى مدنية وشعب أثبت نفسه وسجن رئيسين في غضون ثلاث سنوات. مصر دولة-أمة قيد الصنع مجدداً. لبنان تركيبة غير طبيعية وحالة شاذة من النرجسية والاستقواء والإذعان. ما حدث في مصر في وجه الاعتصام هو تماماً عكس ما حدث في لبنان حين دام الاعتصام شهوراً وعطّل الدولة وشلّ الاقتصاد ومنع التجار من العمل وأبعد السيّاح.
مصر الدولة تصرفت كدولة وأخذت مهام الأمن المدني والأمن القومي في أيديها. الحكم في مصر فض الاعتصام ورفضه وسيلة للارتهان. الحكم الموقت في مصر تصرّف بصرامة وجدّية، فأعطى أولاً الاعتصام وفتح الباب أمام الوفود الدولية لإقناع الجماعة باستبدال الاعتصام بالدخول طرفاً في خريطة الطريق إلى عملية سياسية لا استبعاد فيها ولا إقصاء.
بعدما رفض «الإخوان المسلمون» التجاوب سلماً، بل تعنتوا أكثر في قراءة خاطئة لمراسيل الوفود الأميركية والأوروبية، أنذرتهم الدولة وأبلغتهم بكل وضوح إنها عازمة على فض الاعتصام. كان ردهم جباناً عندما أتوا بالأطفال لاستخدامهم درعاً لحماية الرجال. تهكموا على الإنذارات بدلاً من حسن قراءتها والاستنتاج أن تلك كانت محاولة تلو الأخرى لفرصة إضافية لهم للاستدراك. تعنتوا وكابروا ولم يستدركوا، بل استدعوا عمداً الجيش إلى ساحة الاعتصام في استدراج واضح لاستخدام القوة وسفك الدماء. فتلك كانت استراتيجية «الإخوان» في خطة مدروسة هدفها مخاطبة الغرب للاستنجاد به من أجل امتلاك السلطة مجدداً، متناسين أن فشلهم في الحكم وإهانتهم لمبادئ الديموقراطية هما ما أديا إلى انتفاضة مدنية ضدهم أتى الجيش لدعمها أساساً في ظل إنكار «الإخوان المسلمين» لحق الأكثرية المصرية بدولة مدنية تفصل الدين عن الدولة.
عملية فض الاعتصام بحد ذاتها كانت شهادة على مهنية الدولة وعشوائية «الإخوان». فالضحايا هم ضحايا الإصرار على الاعتصام رفضاً لسلطة الدولة وإصراراً على امتلاك سلطة الحكم. والذين سقطوا في تلك العملية كانوا من الطرفين أكثريتهم نتيجة قرار «الإخوان» حرق مصر وكنائسها رداً على فض الاعتصام. الحكومة أعلنت مقتل 278 شخصاً بينهم 43 من الجيش ومنهم ضباط. جماعة «الإخوان» قالت إن الضحايا بالآلاف. الحكومة أعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول لفترة شهر قد تكون أقصر إذا هدأت الحال.
تعنت ومكابرة «الإخوان المسلمين» أدت إلى تعميقهم الحفرة التي حضّروها لأنفسهم لدفن تلك الأسطورة التي نسجوها في مخيلة الناس عنهم، ففي ساحة «رابعة العدوية» سقط وهم آخر من أوهام أسطورة «الإخوان» بأنهم قوة هائلة في المجتمع المصري. أسقطوا الوهم بأن المصريين يختارون الجماعة على الجيش. سقط القناع في ميدان رابعة بعدما كان سقط في مواقع صنع القرار من الرئاسة إلى البرلمان.
وكمثال ساطع على نكران «الإخوان المسلمين» الواقع، اعتبر رئيس حركة «النهضة» الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس، راشد الغنوشي، إن ما يجري في مصر حالياً أثبت «إفلاس الحداثيين» و «بطولة الإسلام السياسي» مستنجداً بمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في مصر. هذا الموقف هو ذروة الإنكار والإفلاس معاً لأنه يجمع بين أولوية الحكم على حساب الدولة وبين الاستنجاد الدائم بالغرب للتسلق إلى الحكم مهما كانت مطالب أو رغبات الشعب.
نائب الرئيس المصري محمد البرادعي حاول أن يكون هذا وذاك، وفي أحرج لحظة في المرحلة الانتقالية في مصر، اختار الاستقالة. حركة «تمرد» وصفت الاستقالة بأنها هروب من المسؤولية، وهي على حق. الاستقالة كاحتجاج هي شهادة على ضعف بنيوي عندما يأتي الاحتجاج في خضم حاجة البلاد إلى جرأة وقيادة وحسم بين هذا وذاك. لربما كان البرادعي يحاول إرضاء الغرب الذي حذر قائد القوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وحذر البرادعي أيضاً، من استخدام القوة لفض الاعتصام. لربما كان قصده إعطاء ذخيرة إلى «الإخوان». ولربما كان وراء استقالته رفضه للدموية مهما كانت الدوافع والأسباب. مهما كان، أخطأ البرادعي بحق نفسه عندما أساء قراءة عملية فض الاعتصام وتوقّع لها أن تدوم طويلاً وتسفر عن عنف وعنف متبادل. فلقد انتهت العملية في غضون 24 ساعة توضح في أعقابها أن معظم العنف الذي حدث أتى بعد فض الاعتصام ونتيجة اقتحامات وحرق أبنية قام بها «الإخوان». ولم يكن البرادعي وحدَه مَن تسرّع إلى إدانة الدولة والجيش، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة با ن كي مون تسرّع ووجد نفسه يدين سيادة القانون في الوقت الذي انطلق فيه «الإخوان» إلى مجازر الكنائس والأديرة واقتحام مراكز الدولة بلا إدانة مماثلة.
تركيا وقطر وإيران دانت كل «لغاية في نفس» يعقوب، إذ إن تركيا وقطر تدعمان «الإخوان المسلمين» في كل مكان فيما إيران وجدت مناسبة لها لإقحام نفسها على المسألة المصرية فيما هي متورطة تماماً، عسكرياً ودموياً، في سورية.
أمام مصر الآن مرحلة فائقة الأهمية، إذ إنها ودّعت أخيراً عهد الأيديولوجيات القومية والدينية ودفنت آخرها في جنازة حكم «الإخوان» - جنازة هي حصيلة انتحارات لجماعة «الإخوان المسلمين» في السلطة تبعت استيلاءهم على ثورة مصر الأولى، ثم سرقتهم الانتخابات الرئاسية التي قدّمها إليهم الجيش خوفاً من انتقامهم، ثم إثباتهم أنهم غير كفوئين للحكم الديموقراطي.
الآن، أمام مصر فرصة لبناء المؤسسات وتأليف حكومة قادرة على بناء الدولة والوقوف في وجه من يقوّضها. البرادعي وجه من أوجه الضعف في الحكومة لكنه ليس الوجه الوحيد. والحاجة ملحة الآن لإدخال عناصر جديدة حيوية وشابة على الحكم في مصر. فلقد قررت مصر اليوم إنها دولة مدنية، لا دينية. وعلى مصر أن تثبت قريباً أنها حقاً دولة مدنية، لا دينية ولا عسكرية.
مصر نموذج مختلف لصنع التاريخ في المنطقة العربية ولعلاقة لربما تكون جديدة نوعياً للعلاقة بين الشعب والسلطة وبين رجال ونساء الحكم وكرسي السلطة. في سورية، لا يبدو هناك أي استعداد للتغيير في موازين السلطة بسبب التمسك القاطع بالحكم. أما في مصر، فلقد أسقط الشعب رئيسين ونائباً للرئيس وهو عازم على رفض الإذلال والإذعان للفرض والارتهان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.