سبّبت التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة بعد الأحداث الأخيرة، وورود معلومات استخبارية عن مخططات لشنّ هجمات، بتجدّد حال عدم استقرار الاقتصاد العراقي وتقلّب أسعار صرف العملات وارتفاع أسعار السلع والخدمات في شكل ملحوظ. إذ قضت هذه التدابير بإقفال منافذ بغداد في شكل شبه كلي، وتشدد لا سابق له في إجراءات التفتيش على المركبات والأشخاص، فضلاً عن إغلاق منافذ حدودية تحسباً لهجمات إرهابية على مراكز المدن، وحتى المنطقة الخضراء الشديدة التحصين. وأفضت هذه الإجراءات إلى توقف إمدادات تموين السلع لا سيما الغذائية. جالت «الحياة» في عدد من الأسواق الرئيسة التي تُعد عصب التجارة الداخلية والخارجية لمدن العراق، والتقت تجاراً فيها، فأكد حسين كندح المالكي وهو مورد فواكه وخضر ل «الحياة»، أن أسعار الفواكه والخضر وحتى الأغذية الرئيسة «ارتفعت في شكل ملحوظ خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ما أفضى إلى حال تذمر شديد لدى المستهلك العراقي». وعزا السبب «الأهم إلى الشلل في قطاع النقل بين المحافظات وبغداد، لأن غالبية المستوردين سواء من تركيا أو إيران أو سورية والخليج، ينقلون بضائعهم وحتى الخضر والفواكه إلى بغداد، وتوزّع منها على المحافظات». لذا «بدأ التجار يتخوفون من الاستيراد لعدم تمكّنهم من نقلها إلى بغداد». وحذّر من «مغبة استمرار إقفال الحدود ومنع الاستيراد من دول معينة». وربط الخبير الاقتصادي عماد العبود في تصريح إلى «الحياة»، «التقلّبات في سوق العملات بشلل قطاع التجارة الخارجية الذي يستنفذ 60 في المئة من حجم الإنفاق في القطاعين العام والخاص». واعتبر أن تقلّب سعر صرف الدينار مرهون في الدرجة الأساس بالحال الأمنية والسياسية. كما يتحمل المصرف المركزي العراقي ووزارة المال جزءاً من المسؤولية، لأنهما مسؤولان عن السياستين النقدية والمالية». ورأت عضو اللجنة الاقتصادية النيابية نورة سالم محمد، أن «لا وجود لسياسة مالية أو نقدية، إذ أن معظم دول العالم يتعامل بحساسية كبيرة مع هاتين السياستين، ويرسم لها خططاً تنموية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، فيما هي مسيّرة في العراق من جانب الحكومة، وتتبع قرارات شخصية بحسب عقلية المسؤول. كما تتغير الخطط والقرارات مع أي تبديل في المسؤولين، وتتبع بإجراءات جديدة غير مبنية على أسس علمية». ولفتت نورة إلى «عدم وجود قوانين أو حتى تعليمات تنظم قطاع التجارة في العراق». واعتبرت أن «التجار يديرون العملية بحرية ويستوردون ما يشاؤون وهم يختارون المصدر، ولا تستطيع أي جهة منع دخول بضائع فاسدة أو غير صالحة نظراً إلى هيمنة هؤلاء على مصادر القرار». وأشارت إلى «حال الفساد في العراق»، موضحة أن «تقرير الشفافية الدولية وضع العراق ضمن الدول الثلاث الأولى على قائمة البلدان الأكثر فساداً». وأكدت عضو اللجنة المالية عن «كتلة الأحرار» ماجدة التميمي، أن «قانون المصرف المركزي العراقي واضح وصريح بفصل السياسة النقدية عن الحكومة المركزية، لكن الأخيرة اتبعت طرقاً مختلفة آخرها إصدار مذكرة قبض في حق المحافظ بهدف السيطرة على هذا القطاع المهم». إذ ذكّرت بأن البنك المركزي «مسؤول فقط من قبل البرلمان العراقي كونه جهة رقابية». وارتفع الميزان التجاري العراقي وسط تصريحات لمسؤولين أتراك بوجود نية لرفع حجم التبادل من 14 بليون دولار إلى 25 بليوناً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. فيما أعلنت طهران رغبتها أيضاً في رفع حجم التبادل مع بغداد إلى أكثر من 22 بليون دولار خلال العام الحالي، بعد تأثر التجارة بين العراق وسورية بفعل الأحداث التي تشهدها الأخيرة.