شارك الماليون أمس، في الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة التي تنافس فيها إبراهيم أبو بكر كيتا وسومايلا سيسي، ويؤمل أن تخرج البلاد من أزمة سياسية - عسكرية متواصلة منذ 18 شهراً. ولوحظ أن الكثير من مكاتب الاقتراع لم يكن فيها سوى قلة من الناخبين فيما هطلت أمطار غزيرة في العاصمة باماكو. وقال عمر توري أحد الناخبين القلائل في مكتب اقتراع في مدرسة وسط المدينة: «كأن المطر يريد تعكير هذا اليوم، لكني آمل بأن يتوقف وإلا فسيتعين تمديد التصويت». وتشهد مالي حالياً موسم أمطار، خصوصاً في جنوبها. وفي مركز التصويت ذاته، لاحظت مريم كانتي أنه خالٍ تقريباً من الناخبين بينما «في الجولة الأولى في الساعة الثامنة كان الناخبون كثراً». وقالت: «يجب أن يتركنا المطر نقوم بواجبنا المدني، إن مستقبل مالي على المحك». غير أنه في مكتب آخر في ضواحي باماكو لوحظت مشاركة كثيفة. ويفترض أن تعيد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية أمس، بعد أسبوعين من الأولى التي تكللت بالنجاح في 28 تموز (يوليو) الماضي على رغم مخاوف من اعتداءات مقاتلين إسلاميين، النظام الدستوري المعطل منذ الانقلاب العسكري الذي أجري في 22 آذار (مارس) 2012 وسرّع في سقوط شمال البلاد بين أيدي جماعات إسلامية مسلحة موالية لتنظيم «القاعدة». وأشرف على الاقتراع المئات من المراقبين المحليين والدوليين كما تولى مسؤولية أمنه الجيش المالي وقوات الأممالمتحدة لمساعدة مالي (مينوسما) والجيش الفرنسي. وانحصرت المنافسة في الدورة الثانية بين مرشحين كلاهما مخضرم في الحياة السياسية، هما إبراهيم أبو بكر كيتا (68 سنة) رئيس الوزراء السابق وسومايلا سيسي (63 سنة) وزير المال السابق والمسؤول السابق في الاتحاد الاقتصادي والنقدي في غرب أفريقيا، وقد تصدرا نتائج الدورة الأولى من الانتخابات مع حصولهما على التوالي على 39,79 في المئة و19,70 في المئة من الأصوات. ويعتبر إبراهيم أبو بكر كيتا الذي تقدم بفارق 20 نقطة على منافسه، الأوفر حظاً في الفوز لا سيما أنه نال دعم 22 من المرشحين ال25 الذين تم استبعادهم من الدورة الأولى. لكن منافسه يراهن إلى حد كبير على تعبئة أقوى من الدورة الأولى حيث بلغت نسبة المشاركة 48,98 في المئة وهي نسبة تاريخية في مالي وعلى قسم من حوالى 400 ألف بطاقة اعتبرت لاغية في 28 تموز أي حوالى 10 في المئة من أصوات المقترعين. وقال سومايلا سيسي: «الأمر لا يتعلق باستكمال نتائج الدورة الأولى، بل هي انتخابات جديدة». ويبدو أبو بكر كيتا الذي يقول إنه ينتمي إلى اليسار ويتمتع بكاريزما في نظر أنصاره «رجل دولة قوياً» والوحيد الذي يستطيع النهوض بمالي. أما أنصار سيسي الخبير الاقتصادي المحنك واللبق فيشددون على كفاءاته، ويقول أحدهم: «انتهت الحرب، والآن يجب العمل بكد». وستكون مهمة الفائز شاقة لأن مالي شهدت أكثر الأزمات خطورة في تاريخها الحديث أغرقت هذا البلد البالغ عدد سكانه 14 مليون في الفوضى. وقد بدأت تلك الفترة الحالكة في كانون الثاني (يناير) 2012 بهجوم شنه المتمردون الطوارق على شمال البلاد، تبعه في آذار من العام ذاته، انقلاب أطاح الرئيس المنتخب أمادو توماني توري ثم استيلاء جماعات مقاتلين إسلاميين مسلحين على الشمال وإهانتها الجيش وارتكابها تجاوزات عدة قبل أن تطرد منه إثر تدخل عسكري دولي لا يزال مستمراً بمبادرة من فرنسا. ودفع النزاع بحوالى 500 ألف شخص إلى ترك منازلهم والنزوح داخل البلاد وخارجها، وزاد في تفاقم الفقر وأيقظ الأحقاد القديمة بين مختلف قوميات البلاد بين طوارق وعرب محسوبين على المقاتلين الإسلاميين، من جهة والسود من جهة أخرى. ويقيم طوارق مالي الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، خصوصاً في شمال البلاد الصحراوي الذي شهد حركات تمرد عدة منذ استقلال مالي في 1960. ويحلم قسم منهم بالاستقلال أو بالحكم الذاتي على الأقل. وهذان الطرحان يرفضهما بحزم المرشحان للرئاسة لأنها سيؤديان إلى تقسيم البلاد. ويعتبران أن مطالب الطوارق بتطوير منطقتهم التي يطلقون عليها اسم «أزواد» (شمال مالي) والأخذ في الاعتبار هويتهم الخاصة، يمكن أن تتم تلبيتها عبر اعتماد نظام لامركزي أكثر فاعلية.