مر أسبوع تقريباً بين إجراء الانتخابات النيابية وإعلان الحكومة الكويتية الجديدة. سارت الأمور بسرعة فائقة في الدولة العربية الخليجية النموذجية في تجربتها الديموقراطية البرلمانية التي تعود إلى نصف قرن وأشركت خلالها المرأة في الحياة السياسية ترشحاً وانتخاباً بناء على قرار أصدره الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد في 25 أيار (مايو) 1999 وعارضه مجلس الأمة إلى أن عاد وأقره في 2005. لم تكن السرعة في إعادة تكليف الشيخ جابر المبارك تشكيل الحكومة ثم إعلان التشكيلة المنتظرة صباح الرابع من آب (أغسطس)، أمراً عارضاً في الممارسة السياسية الكويتية. فقد تقرر إجراء الانتخابات في شهر رمضان الحار، حيث لامست الحرارة 50 درجة مئوية، التزاماً بمواد الدستور التي تقضي بإجراء الانتخابات خلال 60 يوماً من حل المجلس السابق، ولم يمنع الصيام ولا الحرارة اللاهبة وعواصف رملية خفيفة الناخبين والناخبات من التوجه إلى صناديق الاقتراع، مثلما لم تمنع كل تلك العوامل المرشحين والمرشحات كذلك دعاة المقاطعة والرفض عن مواصلة نشاطاتهم ولقاءاتهم ومهرجاناتهم الليلية حتى حل «يوم الصمت» قبل 24 ساعة من فتح الصناديق. استفادت النخبة السياسية الكويتية من التجارب على مختلف المستويات وهي إذ تمسكت بإجراء عملية التصويت في مواعيدها الدستورية، وأنجزتها بشفافية ومستوى راق من التنظيم ووسط مواكبة إعلامية محلية وعربية ودولية أتيحت لها كل شروط العمل والمواكبة الحرة، حرصت على إيضاح معالم الطريق التي ستسير عليها البلاد في الأيام والأسابيع المقبلة. ولم يخف وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح عشية إعلان النتائج والتأكد من نجاح الكويتيين في امتحاناتهم الديموقراطية، عزم أمير البلاد ورئيس مجلس الوزراء على تقديم الحكومة الجديدة قبل عيد الفطر بما يجعل العيد فرصة حقيقية تخصص للراحة من السياسة وخاتمة لشهر من «الجهاد» الديني والانتخابي. شكل الشيخ جابر المبارك الحكومة وقدمها إلى الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح الذي خاطب الوزراء طالباً إليهم «العمل الدؤوب بروح الفريق الواحد للنهوض بالوطن العزيز ومواصلة مسيرة الإصلاح ودفع عجلة التنمية والعمل على تدارك ما مضى من تراجع وقصور لتحقيق الإنجازات المنشودة التي يتطلع إليها الوطن والمواطنون وتكريس دولة القانون والمؤسسات والتطبيق الحازم للقانون على الجميع». وتابع الشيخ صباح: «إننا أمام فصل تشريعي جديد لمجلس الأمة نتطلع فيه إلى تعاون إيجابي ومثمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتحقق فيه إقرار وتنفيذ التشريعات والقوانين التي تصب في مصلحة الوطن والمواطنين وتسهم بالارتقاء بالخدمات والمرافق العامة ومتابعة تنفيذ الخطة التنموية للدولة». وفي كلمته الجوابية وعد رئيس الوزراء ب «منهج عمل وزاري واضح المعالم نمضي فيه وفي أولويات محددة تتحقق بها الإنجازات الملموسة... ونمد يد التعاون لإخواننا أعضاء مجلس الأمة لنبدأ صفحة إيجابية جديدة من تاريخ وطننا تسود فيها روح التعاون والتكامل وإرادة العمل المشترك...». الفريق الواحد والتعاون بين الحكومة ومجلس الأمة يبدوان شرطاً بل مطلباً للخروج من التجارب السابقة التي قادت إلى سلسلة انتخابات نيابية وتغييرات حكومية ما أصاب الحياة العامة بشلل ترك انعكاساته على مختلف جوانب العمل الإنمائي لا بل والدور السياسي الذي يمكن الكويت لعبه إقليمياً ودولياً بوصفها عضواً في المجموعة العربية وعنصراً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي الذي يقوم في الآونة الأخيرة بمهام رافعة العمل العربي المشترك. ولا ينقص الكويت للعب أدوارها إلا بعض الاستقرار الذي يفترض أن تكون الانتخابات الأخيرة قد وضعت لبنته الأساسية. فالبلد لا يحسده الخصوم والأصدقاء على ديموقراطيته وهامش الحريات العامة التي يتمتع بها فقط، بل يحسدونه أيضاً على ثروات شعبه. عشية عملية الاقتراع كان أحد المعارضين الأشداء من دعاة المقاطعة يخطب في عشرات من الحضور ملوحاً بمصير لقادة الدولة يشابه مصير القذافي وصدام حسين... وحسني مبارك في أحسن الأحوال. لم يعلق هذا الغاضب لاحقاً على عفو أمير الدولة عن مهاجميه ممن أصدر القضاء أحكاماً بحقهم، كما لم يورد في خطبته العصماء أمثلة عن أوجه الشبه بين الحالة الكويتية وحالات أنظمة الاستبداد العربية. وهو كما غيره من النقاد لم يلتفت إلى دراسة نشرت يومها عن ثروات الكويتيين التي تتضاعف، وعن الرعاية التي تقدمها الدولة التي لا تماثلها رعاية أية دولة أخرى لمواطنيها. فمن أصل 21 بليون دولار هي موازنة الدولة السنوية تذهب عشرة بلايين إلى الرواتب وسبعة إلى رعاية المواطن من ما قبل ولادته إلى شيخوخته، وفي إحصاءات حديثة (نشرتها «القبس») أن ثروات الكويتيين تجاوزت شتى أنواع الأزمات وتتوزع على النحو التالي: 30 بليون دينار (الدينار يساوي 3.5 دولار أميركي) ودائع خاصة، و30 بليون دينار قيمة سوقية مدرجة في البورصة، وأكثر من 30 بليون دينار ملكيات غير مدرجة في البورصة. ويبلغ حجم الاستيراد السنوي 12 بليون دينار والرواتب 10 بليون دينار والتداولات العقارية السنوية 3,3 بليون دينار فيما تبلغ أرباح البورصة والمقاولات سنوياً 3,3 بليون أيضاً. لا شك في أن «النعيم الكويتي» يحتاج إلى إدارة واعية وقادرة، وأثبتت الانتخابات الأخيرة أن الأمواج المتلاطمة المحيطة زادت الكويتيين وعياً بالمخاطر وإيماناً بالتمسك بدستورهم وبمكتسباتهم السياسية والاجتماعية، فلم تعد الدعوات المتطرفة تجد لديهم صدى، بل قاموا برد عكسي فازداد حجم المشاركة في التصويت، ووفرت السلطات السياسية والأمنية والقضائية والإعلامية، في المقابل، أفضل الشروط بالمقاييس العالمية، لعملية انتخاب نزيهة وشفافة توجت بحكومة عازمة على الإنجاز. وهو إنجاز لا يتصل فقط بانتظارات الكويتيين المعروفة بل أيضاً بالدور المفترض أن تقوم به الكويت في المساعدة على إيجاد حلول لمشكلات العالم العربي، وأزمات دولية أخرى، انطلاقاً من قدراتها وتجربتها، ومن موقعها في المجموعة العربية الخليجية الفاعلة. * صحافي من أسرة «الحياة»