أسوأ ما قد يحدث لحركة الإخوان المسلمين، أكبر فصائل الإسلام السياسي في العالم العربي على الأقل، أن يكون خطاب المظلومية والاستهداف والحديث عن المتآمرين الرائج بعد انقلاب 30 يونيو، والموجه إلى أتباعها وأنصارها في الداخل المصري والمتعاطفين معها في بقية العالم هو الخطاب الذي تستخدمه قيادات الحركة فيما بينها. فهذا يعني أن أي إمكان أو أفق لمراجعة تجربة الأخوان من 25 يناير 2011 وحتى اللحظة مستحيلة. فمن يتكلم عن المؤامرة ويتحدث لغة المظلومية قادر على حشد أنصاره في الشوارع وخلق متعاطفين معه، لكنه لن يكون قادراً على معرفة أخطائه وتصحيحها في المستقبل ما دام قد تلبّس دور الضحية. تلك الأخطاء التي دونها ما كان للانقلاب العسكري أن يحدث، أو يملك هذا الزخم من المتعاطفين في الشارع المصري. حشد الجماهير واستمرار وجودهم في الميادين كان وما زال مهماً بالنسبة إلى حركة الإخوان المسلمين، ليس من أجل الضغط على الانقلابيين ودعم الشرعية ومنع العودة إلى ما قبل 25 يناير كما يروج قادتهم، بل من أجل ضمان مستقبل الحركة السياسي بكامله والذي يبدو على المحك فعلاً، مع رغبة الحكام الجدد في مصر وداعميهم بإقصاء الإخوان من المشهد السياسي تحت حجج متنوعة، منها محاكمة رموز الحركة على انتهاكات وتحريض على العنف في أوقات سابقة، وأخرى بمحاولة حظر الحركة واعتبار أفرادها «فلول» كما حدث «نظرياً» مع رموز الحزب الوطني المنحل، وأهم هذه الحجج، والأكثر رواجاً لإقصاء الأخوان من المشهد، منع إنشاء أحزاب على أسس دينية. أي خلق نظام علماني راديكالي على غرار العلمانية الأتاتوركية أو الفرنسية. لذا يجب على الإخوان أن يقوموا بمراجعة حقيقية لمسيرتهم السياسية منذ 25 يناير، ومشروعهم الدعوي والفكري بالكامل، وهذا ما أزعم بأنه لن يحدث وفق المعطيات الحالية على الأقل. فلا يوجد في الحركة شخصيات قيادية حقيقية مفكرة تستطيع أن تستخلص العبر من الماضي، واقتراح مشروع سياسي حقيقي للمستقبل، فالداعية ليس هو القائد السياسي أو المفكر، ويختلف عن الحزبي النشط. فما زال قادة الإخوان يهيمن عليهم الهم الدعوي والفكر الديني الشمولي البسيط والمباشر، وما زال ارتقاء مراتب الحركة مبني على كون الشخص داعية جيد، وموالٍ لقيادات الحركة الدعاة، لا بناء على كفاءة سياسية أو تميز فكري يصلح لوضع استراتيجيات سياسية مستقبلية للحركة، أو قيادة حزب سياسي يحمل مشروعاً حقيقياً في دولة عظيمة كمصر ووسط تعقيدات ميدانها السياسي بعد ثورة 25 يناير. لذا تبدو المراجعة لأخطاء الحركة من قادتها أقرب إلى كونه أمنية مستحيلة عن كونه احتمال وارد. أول أخطاء الإخوان التي أريد التطرق إليها، كان عدم خلق شراكة حقيقية مع المعارضة والقوى الثورية بعد نجاح مرشحها للرئاسة محمد مرسي في الانتخابات بفارق ضئيل عن الفريق أحمد شفيق ممثل النظام السابق، والذي يمثل إشارة قوية لقوة ما يسمى ب«الفلول» والدولة «العميقة» في المشهد السياسي المصري، هذا وإن كان الجميع بما فيهم قوى المعارضة والقوى الثورية تتحمل جزءاً من هذا الخطأ، بعدم إبداء مرونة لخلق تسويات وتوافقات منذ 25 يناير لمواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، إلا أن الجزء الأكبر من الخطأ على الإخوان المسلمين لاعتبارات عدة، أهمها تحالفهم مع المجلس العسكري وتمرير تعديلات دستورية وانتخابات برلمانية ورئاسية تحت هيمنته، والاعتبار الآخر عدم خلق شراكة حقيقية مع القوى المعارضة بعد وصولهم إلى الرئاسة، واستعداء الجميع، وبخاصة مع نظرة المعارضين للإخوان إليهم باعتبارهم نكثوا بوعودهم قبل الانتخابات وسعوا إلى المغالبة لا المشاركة، والاستئثار بكل شيء مع حزب النور السلفي الذي لا يمثل القوى الثورية أو المعارضة، بل يمثل اليمين في الطيف الإسلامي الواسع. لكن والمثير للسخرية هنا، أن الإخوان وبدلاً من فتح المجال لمشاركة القوى الأخرى في الحكم، قاموا بالتضييق على حزب النور - بحسب قادة الحزب - مما جعل الأخير يشارك في الانقلاب العسكري بعد 30 يونيو، متشكياً من «أخونة الدولة». استئثار الإخوان بالسلطة خلق إشكالين حقيقيين في الموقف من مسألتين: الإعلان الدستوري، وانقلاب 30 يونيو. فالإعلان الدستوري الذي يركز صلاحيات الدولة بيد الرئيس لمدة ستة أشهر، كان يمكن أن يكون مقبولاً في حكومة وحدة وطنية، ليظهر بصيغة قرار ثوري يريد قيادة التحول السياسي في مصر بصورة سريعة وحاسمة لتصفية إرث مبارك متمثلاً في المؤسستين الأمنية والقضائية. لكن هذا لم يحدث، إذ ظهر الإعلان للجميع على أنه صناعة دكتاتورية إخوانية جديدة بعد دكتاتورية العسكر منذ ثورة يوليو 1952، وامتداداً للحديث عن «أخونة الدولة»، إذ تم اعتبار أي مبادرة من الحكومة لتنظيف المؤسسات من الحرس القديم لدولة مبارك، عملية «أخونة» وأي دعم مالي خارجي لمصر هو دعم لهذه الأخونة. أما علاقة الاستئثار بالسلطة بانقلاب 30 يونيو، فقد صوّر أن الانقلاب كان على شرعية رئيس الإخوان المنتخب، واعتبر «انقلاباً على الصندوق» بينما هو في الحقيقة، بحسب المؤشرات التي تظهر حتى الآن على الأقل، انقلاب على ثورة 25 يناير وتتويج لمرحلة انتقالية فاشلة، تتحمل كل القوى السياسية الثورية والمعارضة من جهة، والإخوان من جهة أخرى نتيجتها، إذ هي التي سمحت للانقلابيين أن يتسللوا إلى المشهد، وأسهمت بعودة «الفلول» إلى الساحة السياسية بقوة هذه المرة. * كاتب سعودي. [email protected] @BALRashed