تنقل الفنانة المغربية أسماء الطاهري زائر معرضها الجديد في الدار البيضاء إلى حالة بصرية - روحية، تسافر بالمشاهد من المرئي إلى اللامرئي، برصدها موضوعات منبثقة من الهندسة المعمارية بحمولتها الرمزية، والتأمل في الجسد الأنثوي. اعتماداً على هاتين التيمتين تعرض أعمالها التي تحاكي ابتهالات الجسد الراقص، راسمة خطوط الروح في تمازج لوني يظهر صريحاً وفاتراً في حالة الدوران البطيء، مبرزة أطياف الحركات خلال الرقص، لتتحول أحياناً إلى فواصل موسيقية متموجة، أو تتخذ استعارة لآلة الكمان بإبداعية فنية متمكنة، وتصبح معها الكمنجات، مجرد علامات أو أنصاف علامات، تبدو على شكل أطياف بارزة الخصر في استعارة لجسد المرأة. وتكشف أسماء قوة التعبير الأكثر غنائية الكامنة في الجسد الأنثوي، فتعالج في لوحات أخرى الحصار المفروض على النساء في الواقع. أجساد مجهولة الملامح، مكتومة الكلام. جسد متحوّل في وضعيات مختلفة، وما تعكسه هذه التحوّلات من تمزّقات ومن عزلة وتشظٍّ، وبذلك تطور تأملاتها بالشكل الذي يجعل المشاهد غير مستغرق في تضاريس الجسم، بقدر ما ينفذ إلى جوانية جوانحه، ليقترب من أسراره ويعيد السؤال حول هوية هذا الجسد المنهك. السفر بالنظر عند أسماء الطاهري، يطاول أيضاً موضوعات متحدرة من الهندسة المعمارية وتتعلق بالتراث المعماري العربي الأندلسي الذي أفردت له أعمالاً حاولت من خلالها قياس الروابط بين النظرة ورسم الفضاء في الزمن، جاعلة من الروحي والحسي متعايشين في كنف واحد، ومنبثقين من أشكال الأقواس والقباب والدوائر. وتسعى أسماء إلى جعل الأحاسيس «المقدسة» الممزوجة في طبقات الرسوم تنبثق من الداخل، باستثمارها للحميمي والهامشي في عرض المآثر التي تود اكتشافها، وإبراز معالمها القديمة (طلاء متقشر، لطخة تعتري سطح الجدار، نوافذ أصابها الصدأ...) لتضع المشاهدين في مواجهة تذكارات بسيطة لكي تحتفظ جيداً بقوتها، من دون أن تصبح حكاية في زمن ما. وبإدخالها معنى الزمان صار بُعد هذا الأخير من الناحية البصرية بعداً حسياً، تحرّكه توليفات بصرية وجودية دفينة، تنم عن وعي بالصفاء الهندسي والتجريد، وتتحكم فيه رهافة الحس، والمعرفة أيضاً، بصفتها درجة في الإدراك الجمالي - الروحي لمكونات شخصية الطاهري، الخبيرة في البصريات، حيث تندمج التجربة البصرية الفنية مع التجربة الذهنية بطريقة أخاذة، حتى لكأنهما تنبعثان من مكان واحد.