يستقبل حي السيدة عائشة جنوبالقاهرة في يوم الجمعة من كل أسبوع، آلاف المواطنين المقبلين من أماكن بعيدة، قاصدين «سوق الجمعة»، أكبر تجمّع تجاري في العاصمة المصريّة، والذي يحوي كل ما يخطر على البال من سلع وأمتعة وبضائع، غالبيتها مُستعملة. يحمل الشاب الثلاثيني مروان أحمد بضاعته من الفاكهة إلى السوق منذ الصباح الباكر، وينادي زبائنه "مستوري" الحال، ليبيعهم ما لديه ويمضي نهاية اليوم، لكن الأمر لا يسلم من منغّصات، على حد تعبيره. يقول مروان، الحاصل على ليسانس آداب - قسم علم النفس، ل «مدرسة الحياة»: «لا يمرّ اليوم من دون مشاكل. منذ تخرّجي قبل خمس سنوات في الجامعة، وأنا أتاجر بالفاكهة بحثاً عن رزقي بعدما فشلت في الحصول على فرصة عمل لدى الحكومة، لكن مسؤولي المحليات لا يتركوننا، ويدعوننا إلى مغادرة المكان. ونحن نطالبهم بتوفير أماكن بديلة قريبة، مقابل إيجار رمزي». ويضيف: «البلطجية أيضاً لا يتركوننا. يأتون في جماعات لا يقلّ عدد أفراد الواحدة منها عن ثلاثة، يحصلون على مبالغ نقدية من الباعة حتى لا يسرقوا بضائعهم، ونضطر للدفع حتى نتفرغ للبيع واجتذاب الزبائن». ما شكا منه مروان بائع الفاكهة، يؤكده سائق سيارة أجرة في السوق يدعى محمد عبدالمعزّ (43 عاماً). يقول عبدالمعزّ إن «البلطجية يقفون مطلع شارع الإمام الشافعي، من ناحية السيدة عائشة، ويفرضون على سائقي السيارات، عند دخول السوق، دفع خمسة جنيهات، ويحصلون على خمسة جنيهات أخرى عند خروجهم». يتفق أكثر من بائع في السوق على مطلب واحد متكرر، هو «تأمين السوق وتقنين وضعيته الراهنة، وتطويره أو توفير أماكن بديلة قريبة من الأحياء السكنية التي يرتادها الزبائن أسبوعياً منذ سنوات طويلة». خلف أقفاص الطماطم، يقف سيد عبدالعال (23 عاماً) خريج معهد التعاون، ويقول: «أساعد والدتي المريضة، وأخواتي البنات، لكن الغلاء يجعلنا في معاناة يومية مع الزبائن من جهة، ومع الحكومة من جهة أخرى. يأتي رجال البلدية (المحليات)، ويطالبوننا بالرحيل، وهم محقّون لكن على الدولة أن توفر أماكن بديلة لنا». ويضيف بتأثّر: «أحياناً تأخذ البلدية بضاعتي، فأخسر ما يزيد عن مئتي جنيه (نحو 30 دولاراً أميركياً)، وبذلك يتعطّل عملي كثيراً، نرجوهم أن يوفروا لنا أكشاكاً صغيرة نستأجرها بمقابل مادي رمزي نلتزم بدفعه شهرياً». الحاج عبدالله بركات (57 عاماً)، من أشهر باعة الطيور، من بط ودجاج وحمام وغير ذلك في السوق، يقلل من خطورة أي مشكلات في المكان، فيما عدا «انتشار البلطجية»، فيقول: «هم (البلطجية) يرهبون التجار، ويؤجّرون لهم الأماكن. على الدولة أن تبسط سيطرتها على المكان، وأن تؤمن البيع والشراء، بين المواطنين والتجار». في المقابل، يرى خالد يوسف (39 عاماً)، أحد القاطنين في حي السيدة عائشة، أن «الكثافة السكانية الكبيرة في المنطقة التي توجد فيها السوق فرضت علينا حصاراً كبيراً. أطفالنا لا يستطيعون النزول إلى الشارع. نريد نقل السوق إلى مكان بديل، وأن تكون هناك رقابة على الأسعار، لأنها في ازدياد يوماً بعد يوم». بمجرد الدخول إلى شارع الإمام الشافعي، من ميدان السيدة عائشة، تمكن رؤية الباعة يفترشون الأرض على جانبي الطريق على امتداد كيلومترات عدة تصل بين حي السيدة عائشة وحي الخليفة جنوبالقاهرة. وعلى رغم وجود المدافن في المنطقة، إلا أن ذلك لم يحل دون انتشار الباعة، بحيث يجد كل زبون مقصده بسهولة. في أول الشارع يقف شبان عشرينيون في أيديهم سلاسل ملفوفة حول أعناق أنواع مختلف من كلاب الحراسة. يقول أحد الشبان، حازم الدمرداش (23 عاماً): « نبيع أنواع الكلاب كافة، ويتراوح سعرها بين ألف جنيه وثلاثة آلاف، وزبائننا هم أصحاب العقارات الذين يبحثون عن تأمين أنفسهم في ظل تردي الوضع الأمني بعد الثورة». بعد حوالى مئتي متر داخل شارع الإمام الشافعي، يجلس على جانبي الطريق، باعة الأقمشة والأحذية المستعملة، بجوار باعة الأسماك والطيور والماعز والأغنام، وإلى جوارهم تجار الماشية. وبين هؤلاء يقف باعة الأجهزة الكهربائية، والسلع التي سبق استعمالها، وأمام كل هؤلاء زبائن قدموا من كل مكان في مصر. الباعة الجائلون في «سوق الجمعة» الذين يتجاوز عددهم الآلاف، جزء من خمسة ملايين بائع متجول، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر. وتصل تجارة الملايين الخمسة إلى ثلاثين مليار جنيه سنوياً، وهم يواجهون ظروفاً صعبة، وتظلّ حلول مشكلاتهم مؤجلة من حكومة إلى أخرى، بسبب عدم توافر أماكن بديلة للأماكن المزدحمة التي يعرضون بضاعتهم فيها في وسط العاصمة وأطرافها. قانونياً، يتم التعامل مع الباعة الجائلين وفق القانون الرقم 33 لسنة 1957، ووفق باحثين قانونيين، فإن القانون لم يتم تعديله منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً، إلا في ما خصّ تغليظ العقوبات والغرامات، كما حدث مرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك عام 1981، ومرة أخرى عام 2012، أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. وينصّ القانون على ضرورة حصول البائع المتجول على ترخيص من الوحدة المحلية، أو الحي المختصّ في المحافظة التابع لها، لمدة عام واحد، ويجوز تجديده. كما يجوز للجهة المختصة بالترخيص تخصيص أماكن معينة لوقوف الباعة الجوالين، وتحديد الحد الأقصى لعددهم. ويمنع القانون، الباعة الجائلين من ملاحقة الجمهور لبيع سلعهم، أو الوقوف في الشوارع والميادين وبجوار المدارس والمحال التي تتاجر بالمهنة نفسها. ويواجه مخالفو القانون، عقوبة تشمل وقف الترخيص الخاص بالبائع لمدة ثلاثة شهور، وإلزامه دفع غرامة لا تقل عن 500 جنيه مصري.