عندما يستخدم أحد الفن كوسيلة للحصول على منفعة شخصية محددة من أية سلطة في العالم، ربما يجد من يبرر له ذلك في مقابل المتعة التي يقدمها من خلال أعماله، لكن أن يكذب على نفسه ويزايد على الناس، مصوراً لهم أنه يقاتل من أجل قضايا المواطن، بعد أن يفشل في الحصول على المنفعة إياها، فهذا سلوك ساذج، وغالباً ناتج من وهم تضخم الذات، ويمكن تصنيفه كأحد أعراض المرض النفسي المعروف «البارانويا». خلال الأعوام القليلة الماضية برزت وجوه إعلامية جديدة عبر إعلام الإنترنت، وانتشرت مجموعة كبيرة من البرامج الكوميدية من خلال موقع «يوتيوب» الذي مثل نافذة لكل من لديه موهبة لم يستطع تقديمها عبر القنوات التلفزيونية المحلية أو الفضائية، مع أن معظم هذه البرامج في حقيقة الأمر ليست سوى تعليقات ساخرة من عناوين أخبار الصحف أو تصريحات بعض المسؤولين، والحق يُقال أنها حصلت على جماهيرية كبيرة من جمهور الإنترنت في السعودية، وهو ما حولها إلى مصادر «أكل عيش» لأصحابها من خلال الإعلانات والرعايات وغيرها، وهذا أمر مشروع وطبيعي، لكن غير المشروع أن تُستغل هذه البرامج من أشخاص «غير سعوديين» في محاربة الوطن وتشويهه وتصويره كسجن وزنزانة تعذيب حمراء، تتدلى منها السلاسل، مع السخرية من عبارة «مملكة الإنسانية»، لتصفية حسابات شخصية تحت مظلة خدمة المواطن وقضاياه، وهذا ما حدث عندما أطلق أحد المقيمين في السعودية «من جنسية عربية» برنامجاً كوميدياً يتناول الشأن السعودي، وتوهم أو تم إيهامه أنه سيحصل على الجنسية من خلاله، بعد أن يُشكل برنامجه ضغطاً على الحكومة، فتحاول شراء صوته ببطاقة هوية وطنية. حدثٌ فارق أسقط مشروع صاحبنا، وهو انطلاق حملة تسوية أوضاع العمالة المخالفة، إذ حولها في الحلقة الأخيرة من برنامجه التي أسماها «خربانة.. خربانة» من قضية تخدم اقتصاد الوطن والمواطن إلى مشروع ديكتاتوري ينتهك حقوق المقيمين، ويضرب مصالح المواطنين، طبعاً موقفه هذا ناتج من كون الحملة تمسه شخصياً، وتمس أقاربه المقيمين في شكل غير نظامي، ولم يتوقف عند هذا الحد بل عمد إلى تصنيف أبناء المجتمع السعودي إلى قسمين «حقوقيين فاهمين»، وفئة أخرى وصف أفرادها بأنه «منهم»، والمقصود هم المواطنون المؤيدون لتوجه الحكومة أو «الحكوميين»، ونصح ساخراً السلطات بأن تلفق للفئة الأولى تهماً مثل «تعطيل التنمية»، لتسجنهم وترتاح، متناسياً أفضال هذا الوطن ومواطنيه عليه وعلى برنامجه، ومزايداً على الوطنيين الذين تمتد جذورهم وجذور أسلافهم في تربة هذه البلاد، ويدركون جيداً ما هو الخير وما هو الشر لبلادهم. ليس من العنصرية أن يطالب سعودي بتصحيح أوضاع العمالة المخالفة في بلاده وإبعاد المقيمين في شكل غير نظامي إلى دولهم أو حتى عدم تجنيس أعداد كبيرة منهم، هذا حق من حقوق المواطن على وطنه، بألا يسمح بمشاركة غريب له في الاستفادة من الدعم الحكومي للسلع، أو يزاحمه بعد تجنيسه في جامعاته ومستشفياته ومنح السكن والقروض العقارية وغيرها من الامتيازات التي تخصصها الدولة للمواطنين من موازنة بلادهم، فالمسألة اقتصادية قانونية أولاً وأخيراً، وليست عاطفية، وموهوم من يعتقد أنه قادر على ابتزاز الوطن ببرنامج كوميدي بشعار «جنّسوني أو أخرّب»، بل إن عمله هذا عار عليه، وكان من الجدير به أن يفخر بجنسيته الأصلية، ويؤمن بأن كونه مقيماً في البلاد بشكل نظامي أمر لا يُنقص منه شيئاً، طالما أن البلاد توفّر له فرص النجاح و«أكل العيش» التي لم توفّرها بلده الأصلي له. [email protected] @Hani_Dh