في خضم الثورات العربية، أو ما يسمى الربيع العربي، يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة. فبعد مرور حوالى سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات عميقة وموضوعية ودراسات ولقاءات إعلامية تزيل اللبس والغموض عن هذه الثورات التي تشكك بها نسبة مهمة من المواطنين والسياسيين والمثقفين، ما يدل إلى أن المثقف كان غائباً عن التمهيد لهذا الربيع، فجاءت أشجاره من دون أزهار ثقافية. ولعل هذا هو السبب في مواقف اللبس وعدم الوضوح والريبة من هذه الثورات العربية، وكأن المثقف العربي عاجز بأدواته التحليلية عن كشف الملتبس وتوضيح ما جرى، وتبيان أسباب ما حدث، والى أين المآل؟ أن حالاً من التماهي الثقافي، أو بتعبير أدق تماهي المثقف مع السلطات الشمولية في عهود الاستبداد المظلمة في العالم العربي، هي سبب رئيسي في غياب المثقف عن الثورات العربية - ما عدا استثناءات قليلة جداً - وكذلك عن الانخراط، وأيضاً عن رسم الدروب والمآلات، وهذا أثر كثيراً حتى في سمعة هذه الثورات وشعبيتها فجاءت ناقصة في بعدها الثقافي الفكري التنظيري لكنها كانت مشبعة ببعدها الشعبي المنافح والمقاوم، وهنا مكمن قوتها التي تحتاج حتى بعد اندلاعها إلى مواكبة المثقفين والفنانين ورجال الدين والمال والاجتماع من أجل إنجاحها واستكمال مهماتها النهضوية العارمة لانتشال المجتمعات العربية من سطوة الاستبداد القاتلة والأخذ بيد الشعوب إلى فضاءات العلم والعمل والتطوير. إن الكثيرين من أنصار الاستبداد يتذرعون بغياب المفكرين عن هذه الثورات وهذا صحيح جزئياً، لكن بالقطع ليس صحيحاً بصورة كلية أي أن المفكرين العرب لم يشكلوا حالة نهضوية تنظيرية ضاغطة باتجاه الثورات الراهنة، لكنهم ساهموا ولو بدرجات مختلفة في تشخيص الحال العربية وتبيان أمراضها المزمنة، من استبداد ومرض وجهل وتخلف، لذلك فإن اتهام الثورات بغياب الفكر عنها فيه من الظلم والإجحاف ما يثير الريبة والشكوك في الهدف الذي منه ينطلق أولئك المشككون، في نظافة ونزاهة وأحقية واستحقاقية الثورات العربية الراهنة في أن تسمى ثورات، ولماذا لا تسمى ثورات طالما أنها تقاس جماهيرياً بالملايين. هل الملايين التي تخرج لا تستحق أن تشكل ظاهرة احتجاجية نسميها ثورة؟ هي ثورة ضد الاستبداد والظلم، وضد حقبة كاملة شكلت أكثر من أربعة عقود مظلمة، وهذا ما ظهر ويظهر من اليافطات والشعارات التي ترفع في تظاهراتها وتحركاتها السلمية العديدة. كما لا ننسى الإشارة إلى وجود فئة من المثقفين تعيش حال استنفار في مواجهة الإرادة الشعبية الزاخرة بالاندفاع والإصرار والحيوية الثورية والزاحفة على معاقل السلطة والنفوذ، وهذا يأتي بطبيعة الحال من دفاع مثقفي السلطة عن مصالح هذه السلطة من خلال شرعنة الاستبداد والفساد ثقافياً باعتبار أن علاقة المثقف بالدولة في العالم العربي تتجاوز موضوع المكافآت والاستخدام والإجازات المهنية فتشمل شعوراً قوياً بالهوية والأهداف المشتركة، لذلك ظهرت حالة من الجمود الجزئي في الحراك الثوري العربي بسبب التوظيف الأيديولوجي للمثقف العربي الذي ساهم في تشويش الحالة العربية والاتجاه إلى ترسيخ نظريات المؤامرة والتطرف والمذهبية والطائفية وتخويف الأقليات من الربيع العربي. نصل إلى نتيجة واضحة مفادها بأن تقصيراً حصل للمثقف العربي لأسباب فكرية وانتهازية واقتصادية موضوعية، لكن ليس إلى درجة تغييبه وإنكار جهوده الفكرية التي ساهمت، في شكل أو آخر، في إشعال لهيب الثورات العربية.