الجزيرة الحالمة التي تتوسط بحر منطقة جازان تتقاذفها الأمواج في النهار ويسكنها الهدوء مساءً ليضفي رونقاً خاصاً عند الأهالي بعد عناء صيام النهار. وفي الوقت الذي تقوم النسوة بتحضير وجبة الإفطار، تشاهد كبار السن من الصيادين القدامى بالقرب من مرسى القوارب يتوافدون من بعد صلاة العصر، وقد حجزوا مواقعهم هناك ليتابعوا الصيادين، ويسترجعوا ذكرياتهم في الصيد وكيف كان لهم باع طويل في ركوب البحر وجلب الصيد خاصة في رمضان. وفي الشاطئ المقابل في مرسى العبارات تجد الأهالي والأطفال ينتظرون وصول العبارة من مدينة جازان، ليستقبلوا المسافرين من أهاليهم والزوار للعودة إلى منازلهم، لتناول طعام الإفطار. مركب عاد قبل غروب الشمس بقليل يحمل ما يسره الله له من الرزق ليسلمه إلى العمال، ومن ثم التوجه إلى منزله، فهناك زوجته وأطفاله ينتظرون وقت وصوله فيحمدون الله على سلامته، ويتناولون إفطارهم وهم في سعادة وسرور. يقول عثمان عقيلي أحد سكان جزيرة فرسان: «حرفة صيد السمك لا تنقطع في رمضان، وتستمر فيه كغيره من أيام العام، إلا أن التوقيت يختلف قليلاً، مبيناً أن بعض الصيادين يقوم بإيقاف قاربه، ويعتبر رمضان بمثابة إجازة له من العمل والصيد»، وأضاف عقيلي: «هناك بعض الصيادين من كبار السن يذهبون للصيد في الصباح الباكر خاصة صيادي (الضيرك) الكنعد، ويقومون بصيده بطريقة المجرور أو الصيد بالسنارة، ومن ثم يعودون مع قرب صلاة الظهر لبيعه في السوق»، لافتاً إلى أنهم يخلدون إلى الراحة باقي يومهم في منازلهم حتى يكملوا باقي صيامهم بعد عنائهم في عملية الصيد. وبين عقيلي أن هناك قسماً آخر يدخلون البحر في الفترة المسائية في العصر أو بعد صلاة التراويح، بحسب حالة الأجواء والمد والجزر، ومعظم ما يتم صيده من الهامور والشعور والسوالي والبياض وغيره من الأنواع المتوافرة في بحار الجزيرة. من جهته، يقول عبدالرحمن الفرساني: «إن صيد سمك العربي ينشط في رمضان، خاصة أن جميع أهالي المنطقة يستخدم العربي المجفف يوم العيد كوجبة أساسية في الإفطار، خاصة على المرسة وهي الأكلة الحلوة التي يفضلها الأهالي»، وهي تصنع من الموز والدقيق والسمن البلدي والعسل، مشيراً إلى أنه يتم استخدام شباك خاصة لصيد السمك العربي سواء بالكمين أم بسحب الشباك لجمع السمك داخلها، ومن ثم سحبها إلى الخارج لتصفيتها. وأضاف الفرساني أن من العقبات التي تواجه الصيادين العواصف الرملية، التي تهب أحيانا في النهار وتمنعهم من دخول البحر لارتفاع الأمواج. وأشار إلى أن المواطنين لا يمكن أن يشتروا سمكاً غير طازج، ولهذا تراهم يصطفون على الشاطئ لاستقبال حمالي الأسماك وعمل مزادات لشرائها وهي ما تزال طازجة. فاطمة علي التي تبلغ من العمر 80 عاماً تذكر ل«الحياة» أنهم ينتظرون أبناءهم وبناتهم وأقاربهم الذين يسكنون خارج الجزيرة للعودة إليهم، لتتجمع الأسر في رمضان إذ له رونق خاص في لمّ شمل الأسر، مشيرة إلى أن العادات في رمضان قد تكون مشابهة إلى حد كبير لعادات الأهالي في منطقة جازان كاملة، إلا أن الطابع الساحلي والبحري قد يكون الأبرز في السهر في ليالي رمضان، وزيارة الأهالي والأقارب والصديقات في المساء.