يحتفي الأطفال برمضان على طريقتهم: مفرقعات، صراخ أثناء اللعب، شغب طفولي يزعج الصائمين في الصباحات والمساءات الرمضانية. لذا لا يسلم الصغار من شتائم يطلقها سكان الأحياء من نوافذ منازلهم، وفي أفضل الأحوال ينصحونهم باللعب بعيداً. اليوم المزدحم بأصوات الأطفال الذين تزامنت عطلتهم الصيفية هذا العام مع شهر رمضان، ليس أكبر تغيير يحدث في هذا الشهر. فالليل طويل تمتد ساعاته حتى الفجر، أما الشوارع في النهار فتشهد ازدحاماً لا يطاق، في مقابل هدوء شديد في الصباحات. وعلى رغم ذلك، لا يفقد رمضان ميزته كشهر تتغير فيه الكثير من التفاصيل اليومية، والتي تبدأ بتغير ساعات العمل اليومي في الدوائر الحكومية والخاصة. فقبيل رمضان أعلنت وزارة الخدمة المدنية، بأن الدوام الرسمي هذا العام يبدأ من العاشرة صباحاً، وينتهي في الثالثة بعد الظهر، لخمسة أيام في الأسبوع، باعتبار يومي الخميس والجمعة إجازة رسمية. وعليه، فإن من الصعوبة بمكان إيجاد وسيلة مواصلات إذا غادر المرء منزله قبل التاسعة صباحاً. فالشارع الرمضاني خالٍ إلا من السيارات المتوقفة على جانبيه، فيما كل المحال التجارية مغلقة الأبواب. هذه الحال قد تستمر حتى العاشرة صباحاً، لذا فإن عذر تأخر الموظفين عن موعد الدوام الرسمي جاهز: «لا يوجد باصات»! غير أن الأمر مختلف لدى العاملين بالأجر اليومي، فهؤلاء يغيبون تماماً عن النهار الرمضاني، ويحضرون بكثافة في الأماكن المخصصة لتجمعهم بعد الإفطار، يخالفهم في ذلك المجانين والمشرّدون. فالأخيرون يجدون على الأرصفة الهادئة ملاذاً ملائماً للنوم، فيما المجانين يجوبون الشوارع بحرية مطلقة. داخل وسائل المواصلات يعم هدوء يحاكي هدوء الشارع الصباحي، فلا أحد يتحدث أو يعلق، وبالكاد ينطق أحدهم جملة «على جنب»، أو يطرق بيده زجاج نافذة الباص التي في جواره، كطلب للنزول فيتوقف الباص فوراً. حال الصمت هذه قد تستمر طوال النهار، خصوصاً أن اليمنيين يردّدون مثلاً شعبياً يقول: «لا تكلم صائماً بعد العصر». لكن هذا لا يعني أن حياة الناس متوقفة. فما أن تحل الظهيرة حتى يبدو الشارع حيوياً، وتبدأ الأسواق في استقبال زبائنها. وباستثناء المطاعم والمقاهي، فإن كل النشاطات التجارية تبدأ أعمالها، إذ جرت العادة أن يبدأ إعداد الوجبات بعد الخامسة مساء استعداداً للإفطار. وأكثر ما يلفت في الشارع هو انتشار بائعي «السمبوسة»، وهي نوع من الفطائر المحشوة باللحم أو الخضار، وتعد الوجبة الأهم على المائدة اليمنية في رمضان بعد «الشفوت»، وهو طبق مزيج من نوع من الخبز مصنوع محلياً يعرف ب»اللحوح» والزبادي أو اللبن المخلوط بالنعناع الأخضر والكمون والملح. هاتان الوجبتان، بجانب الفلافل والباجية والشوربة والرز واللحوم الحمر والبيض وأنواع من السلطات والحلويات أيضاً، هي تشكيلة تُعمر مؤائد رمضان في اليمن. ومع الاحتفاظ بالتنوع الغذائي في المائدة الرمضانية لكل محافظة، فإن بعض الأصناف الغذائية لا تظهر إلا في رمضان وتسقط أهميتها بانتهائه. غير أن القات يبقى الجزء المشترك بين رمضان وسواه من أشهر السنة، وإن كان يكتسب خصوصية أكبر في رمضان لجهة المجالس الخاصة اليومية التي تقام ويجتمع فيها الأصدقاء والأقارب لتناول أوراقه والتحدث في كل الأمور، بدءاً بالسياسة ومروراً بالأحداث اليومية وانتهاء بالدين. وفي رمضان، تزدحم المساجد بالمصلين في كل أوقات الصلاة، ويحرص كثيرون على أداء الفروض الخمسة في المسجد، كما يحمل غالبية الرجال سبّحات ومساويك، فيما انتشر بين النساء خاتم مصنوع من البلاستيك يوضع في أصبع الإبهام بيسر، ويتضمن حاسبة تحسب عدد التسبيحات مع كل ضغطة على الزرّ. إلى ذلك، تكثر في رمضان أعمال الخير، وتنشط الجمعيات الشبابية في توفير وجبات يومية للفقراء والمحتاجين، أو توزيع حقائب الغذاء قبيل رمضان. كما تحرص المؤسسات الخيرية على تنفيذ موائد إفطار جماعي في المساجد أو داخل الأحياء يستفيد منها الفقراء وحتى المارة. لكن ما ينغّص على الصائمين يومهم الرمضاني هو الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، إذ غالباً ما يضطر الناس إلى الإفطار على ضوء الشموع أو المصابيح الصينية، فيما يلجأ آخرون إلى المولدات الكهربائية التي تضج بها الأحياء، لتخرق سكون الليل الرمضاني الطويل. إلى ذلك، يحرص اليمنيون على عقد قرانهم في العشر الأخيرة من رمضان، وبخاصة في ليلة السابع والعشرين منه (ليلة القدر)، على أن تجرى مراسم الزواج خلال أيام العيد. وباستثناء انقطاع الكهرباء، تستمر هذه التفاصيل الحياتية اليومية طوال رمضان، وما أن يعود الناس بعد عيد الفطر، حتى تعود حياتهم كما كانت في سابق عهدها، فيعود النهار نهاراً، والليل ليلاً.