طغت صدمة سقوط تسعة من جنود الجيش التونسي في مكمن نصبته لهم جماعة مسلحة في منطقة جبل الشعانبي المحاذي للجزائر، ليل الإثنين - الثلثاء، على الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد عقب اغتيال النائب المعارض للإسلاميين محمد البراهمي. لكن مقتل الجنود، وبينهم ثلاثة على الأقل يحملون إشارات إلى تعرضهم للذبح، بدا في المقابل سبباً لكي تبدي الأطراف السياسية المتنازعة تنازلات لإنهاء الأزمة. إذ سارعت حركة «النهضة» أمس إلى إعلان قبولها درس تشكيل حكومة انقاذ وطني، وذلك بعد ساعات فقط من رفض رئيس الحكومة القيادي «النهضوي» علي العريض مطالب المعارضة بتغيير حكومته. وأعادت العملية في جبل الشعانبي قضية الإرهاب مجدداً إلى واجهة الأحداث في البلاد، بخاصة وأنه جاء بعد إعلان قائد أركان الجيوش المستقيل الجنرال رشيد عمار انتهاء العمليات العسكرية في الجبل بعد «تطهيره من الإرهابيين». لكن العملية الأخيرة التي راح ضحيتها تسعة من قوات الكوماندوس أثارت استغراب المتابعين، خصوصا انها جرت في مكان من المفروض انه خال من المسلحين بحسب التقارير العسكرية التي تصدرها وزارة الدفاع الوطني. وحتي مساء أمس لم تؤكد الأجهزة الأمنية والعسكرية الجهة التي قدم منها المهاجمون، سواء كانت من داخل تونس أو من دول الجوار. وخلّفت العملية الإرهابية تأثيراً مباشراً على الأزمة التي تعيشها تونس منذ اغتيال البراهمي الخميس الماضي. إذ أشارت مصادر من داخل الائتلاف الحاكم إلى أن «النهضة» التي تقود الحكومة باتت الآن بصدد قبول قيام حكومة وحدة وطنية. وأكد ذلك القيادي فيها عامر العريض ل «رويترز»، إذ قال: «نحن منفتحون على كل المقترحات بما فيها حكومة وحدة وطنية أو حكومة انقاذ ولكن لا نقبل بدعوات حل المجلس التأسيسي لأنه خط أحمر». أما الناطق باسم «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) حمة الهمامي فقال ل «الحياة» إن المطلوب قيام «حكومة انقاذ وطني وليس حكومة وحدة وطنية»، موضحاً: «لقد اجتمعت الأحزاب المكونة لتحالف الاتحاد من أجل تونس وأحزاب الجبهة الشعبية واتفقت على انه لن يتم التراجع على مطلب حل المجلس التأسيسي». ويبدو أن «النهضة» قد اتخذت قرارها بقبول حكومة جديدة من دون حل المجلس التأسيسي، في ضوء اجتماع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) مساء الاثنين ومطالبته بحكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية مستقلة توافقية مع الحفاظ على المجلس التأسيسي الذي عليه أن يُنهي صوغ الدستور والقوانين الانتخابية في أجل أقصاه 23 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. كما يأتي هذا التغيير المحتمل في موقف «النهضة» بعد تصريح وزير الداخلية لطفي بن جدو (مستقل) الذي عبّر أمس عن مساندته مطلب تشكيل حكومة انقاذ وطني، وهو الموقف ذاته الذي تبناه حزب «التكتل الديموقراطي» المشارك في الحكم والذي طالب بدوره بحكومة جديدة مهدداً بالانسحاب من «الترويكا» الحاكمة في حال عدم استجابة مطلبه. وتستند «النهضة» في قبولها تشكيل حكومة وحدة وطنية (أو حكومة تكنوقراط) إلى اتساع دائرة القوى التي تتخذ موقفاً وسطاً من الأزمة وترى ضرورة تشكيل حكومة جديدة مع الإبقاء على المجلس التأسيسي باعتبار أن حل المجلس سيؤدي إلى فراغ في الحكم، كونه مؤسسة جاءت نتيجة اقتراع شعبي.