شيع آلاف التونسيين صباح أمس جثمان النائب محمد البراهمي إلى مثواه الأخير في مقبرة «الجلاز» بالعاصمة في جنازة عسكرية أشرفت عليها فرقة شرفية من الجيش الوطني، وتم دفنه قرب ضريح السياسي المعارض شكري بلعيد الذي اغتيل قبل ستة أشهر في عملية مشابهة. وكان النائب القومي البراهمي اغتيل بعد إطلاق النار عليه صباح الخميس من قبل عناصر «تكفيرية متشددة» حسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية التونسية. وشارك في الجنازة آلاف التونسيين تتقدمهم عائلة الفقيد وعددٌ من السياسيين والناشطين باستثناء ممثلين عن الحكومة الموقتة أو رئاسة الجمهورية أو من أحزاب الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة «النهضة» الإسلامية. كما قرر نواب المعارضة عن الحزب الجمهوري والمسار الديموقراطي وحزب المبادرة والجبهة الشعبية ونداء تونس ومستقلين، انسحابهم من المجلس الوطني التأسيسي وتنفيذ اعتصام مفتوح أمام مبنى المجلس حتى إسقاطه احتجاجاً على اغتيال البراهمي. وبعد الجنازة توجه عدد من التونسيين إلى مقر المجلس التأسيسي، في ضاحية تونس العاصمة الشرقية حيث تجمع مئات المتظاهرين منذ أول من أمس في اعتصام للمطالبة بإسقاط المجلس التأسيسي. وأقامت القوات الأمنية حواجز في الطريق المؤدية إلى مقر المجلس لمنع المتظاهرين من الالتحاق بالمعتصمين قبل أن تقع مواجهات عنيفة في محيط المجلس بين مناهضي الحكومة وقوات الشرطة التي استعملت الغاز المسيّل للدموع والعصي والهراوات في تفريق المتظاهرين المتجمعين أمام المجلس التأسيسي. كما تم الاعتداء على النائب عن الجبهة الشعبية (تحالف اليسار والقوميين) المنجي الرحوي المعروف بانتقاده الشديد للإسلاميين. وأكد النائب عصام الشابي الناطق الرسمي بالحزب «الجمهوري» في تصريح ل «الحياة» أنه لم يعد بالإمكان التعامل مع مجلس تأسيسي وحكومة فشلت في تأمين مواطنيها ورموزها السياسية، وشدد على أن الوضع يفرض تغييراً جذرياً وإنهاء المسار الانتقالي في ظل حكومة محايدة سياسياً. وطالب أكثر من 40 نائباً بإسقاط المجلس التأسيسي وكل السلط المنبثقة عنه وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تعد انتخابات في وقت قريب بالإضافة إلى تشكيل هيئة خبراء تنهي صياغة الدستور قبل عرضه على استفتاء شعبي. ومن جانبها دعت «الرابطة الوطنية لحماية الثورة» المقرّبة من الإسلاميين في تونس أنصارها إلى التوجه إلى المجلس التأسيسي من أجل مؤازرة قوات الأمن وحماية شرعية المجلس، بحسب ما جاء في بيانها، ما يهدد بوقوع اشتباكات بين مناهضي ومساندي الحكومة. وفي الأثناء تواصلت التظاهرات الغاضبة في مختلف محافظات تونس رافعة شعارات إسقاط النظام. وأسفرت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين عن مقتل أربعة مواطنين بمحافظة قفصة (جنوب غربي البلاد) بالإضافة إلى عشرات الجرحى. كما أعلن نشطاء وسياسيون في محافظة سيدي بوزيد، مسقط رأس البراهمي ومهد الثورة التونسية، عن أن المدينة أصبحت خارج السلطة المركزية للدولة بعد أن طرد متظاهرون المحافظ وقاموا بتعيين مجلس محافظة يتكون من أعيان المدينة وتياراتها السياسية. إلى ذلك، أكدت مصادر حكومية استقالة سالم الأبيض وزير التربية في حكومة علي العريض احتجاجاً على اغتيال النائب البراهمي. ويعتبر الوزير المستقيل من رموز التيار القومي في تونس ومن أصدقاء الفقيد قبل أن يتولى وزارة التربية عقب اغتيال السياسي شكري بلعيد في شباط (فبراير) الماضي. وتناقلت عدة مصادر إعلامية أنباء عن مبادرة سياسية ستطرحها حركة «النهضة» في الأيام القليلة المقبلة من أجل تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد. وعلى رغم التكتم الشديد على فحوى المبادرة إلا أن مصادر من «النهضة» لم تنفِ إمكانية قبول الإسلاميين بحكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية مستقلة، لكنها في المقابل ستتمسك بعدم إسقاط المجلس التأسيسي، مشددة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب وقت ممكن. من جهة أخرى، أعلن محمد علي العروي الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية أن سيارة تابعة لجهاز الحرس الوطني (الدرك) استهدفت صباح أمس بعبوة ناسفة تقليدية الصنع في مدينة حلق الوادي شمال العاصمة، ما أسفر عن أضرار بمؤخرة السيارة، نافياً إصابة أي شخص في الحادث. وقال العروي لوكالة «فرانس برس»: «في حدود الساعة السادسة صباحاً استهدفت سيارة رباعية الدفع تابعة لجهاز الحرس الوطني بانفجار عبوة ناسفة تقليدية الصنع ما أسفر عن أضرار بمؤخرة السيارة، ولم يُصب أي دركي في الحادثة». وكانت السيارة متوقفة بشارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في مدينة حلق الوادي. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف سيارة أمنية في تونس بعبوة ناسفة منذ الإطاحة في 14 كانون الثاني (يناير) 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.