تتكرّر اتهامات لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالسعي إلى تغيير صورة البلاد وإعادة تشكيلها وفق مزاجه الإسلامي الخاص والمنفعة الاقتصادية لحزبه الحاكم. ولم تخبُ جذوة احتجاجات حديقة «غازي» في إسطنبول، رفضاً لتحويلها مشروعاً تجارياً وسط ميدان «تقسيم»، أبرز المواقع السياحية في المدينة، حتى برزت قضيتا «جزيرة الديموقراطية»، وكنيسة آيا صوفيا في طرابزون (على البحر الأسود)، وهي نسخة مصغّرة عن تلك الأصلية الموجودة في إسطنبول وحُوِّلت مسجداً بفضل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، بعد عقود على كونها متحفاً يؤمّه سياح من كل أنحاء العالم. وأثار ذلك استهجان المعارضة في طرابزون وإسطنبول، إذ احتجت شركات سياحة ومختار الحيّ حيث كنيسة آيا صوفيا التاريخية البيزنطية، على تحويلها مسجداً، فيما يشكو المسجدان القريبان منها في المدينة من قلة المصلين والمرتادين. وقال المختار زكي باكار: «لا أفهم هذا الإصرار على تحويل تحفة أثرية، مسجداً، والمساجد كثيرة حولها، سوى أنها إرادة سياسية ضمن مخطط يريد إعادة الهوية العثمانية بأي ثمن». وأشار إلى قطع أرزاق الناس، بسبب انقطاع السياح الأجانب عن التوافد إليها. تزامن هذا التغيير ذو الطابع الأيديولوجي في طرابزون، مسقط رأس أردوغان، مع تغيير رأسمالي تنتظره أشهر جزيرة في إسطنبول، تُسمى «ياصي أضه» التي شهدت محاكمة عدنان مندريس، أول رئيس وزراء منتخب في تركيا، مع أعضاء في حزبه وإعدامهم، وفق قرارات جائرة أصدرتها محكمة عسكرية أدارها عسكريون في انقلاب 1960. وكان أردوغان الذي لطالما شبّه نفسه بمندريس ولم يخفِ إعجابه به، معتبراً أن الأخير كان ديموقراطياً ظلمه الجيش، أعلن قبل 3 سنوات مشروعاً لترميم جزيرة «ياصي أضه» المهجورة منذ إعدام مندريس، وتحويل القاعة التي شهدت محاكمته والسجن حيث قبع، «متحفاً للديموقراطية». لكن التعديلات التي أُدخلت في حزيران (يونيو) الماضي على خطط استغلال أراضي «ياصي أضه» وجزيرة «سيفري أضه» الصغيرة المجاورة، تكشف مشروعاً عقارياً ذا أبعاد مختلفة. وتشمل خطة «ياصي أضه» تشييد فندق وشاليهات ومقهى ومطعم ومهبط مروحيات وقاعات محاضرات، فيما يتضمن مشروع «سيفري أضه» تشييد مركز للمؤتمرات والمعارض ومسجد وملاعب رياضية ومرفأ، ما أغضب سكان إسطنبول وأقارب مندريس الذين رفضوا تحويل ذكراه «مشروعاً تجارياً مربحاً للمقرّبين من الحكومة» والقضاء على مساحات أخرى من محميات طبيعية لمصلحة كتل إسمنتية. مصطفى فرسك أوغلو، رئيس بلدية دائرة جزر الأمراء التي تتبع لها الجزيرتان قال: «في نيسان (أبريل) 2013، جعلت الحكومة البرلمان يصوّت على قانون محدّد يجيز لها القيام باستثمارات وتطوير خدمات لأهداف ثقافية وسياحية، وهذا يتعارض مع كل التشريعات المتصلة بحماية الشواطئ والأملاك الثقافية والطبيعية والغابات والبناء والبلديات. والرسالة التي يوجهونها مفادها: نفعل ما يحلو لنا». ونقلت صحيفة «حرييت» عن أرملة سياسي أُعدم مع مندريس، إن «ياصي أضه كانت شاهدة على آلام ضخمة، ويجب أن تبقى مكان أحزان. لا يمكن تحويل الجزيرة ملعب ترفيه ولهو». لكن وزير البيئة والتخطيط العمراني أردوغان بيرقدار أكد أنه باستثناء المتحف والمركز الثقافي، «يمكن فقط تشييد شيء محدود، مثل فندق بوتيك (فندق صغير متميّز الخدمة) لمَن يريدون تمضية ليلتهم» في «ياصي أضه». إلى ذلك، اعلن أردوغان أن حكومته ستتخذ «تدابير قانونية» ضد صحيفة «ذي تايمز» البريطانية، إذ اتهمها ب»قلة الأخلاق» و»تأجير صفحاتها في مقابل المال»، بعدما نشرت الأسبوع الماضي رسالة مفتوحة وقّعتها 30 شخصية، تركية وعالمية، تدين «القمع العنيف الذي استخدمته الشرطة ضد تظاهرات سلمية» في «تقسيم»، معتبرة أن نظام أردوغان «ديكتاتوري». وقال رئيس الوزراء: «وصف حكومتنا بالديكتاتورية لا ينمّ سوى عن وقاحة منقطعة النظير». واعتبر أن الموقّعين على الرسالة «سفهاء يؤجّرون أقلامهم». وبين الموقِّعين عازف البيانو التركي فاضل ساي والممثلان الأميركيان شون بن وسوزان ساراندون، والمؤرخ أندرو مانغو، كاتب سيرة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.