بعد اندلاع الثورة السوريّة، في آذار (مارس) 2011، كان لانتقال قناة «أورينت» السوريّة إلى صفّ المعارضة، وتغيير خطّتها البرامجيّة، أثراً إيجابيّاً لافتاً، وباتت محلّ تقدير ومتابعة السوريين المناهضين لنظام الأسد. وأوجد إطلاق هذه القناة، فترة البثّ الكردي، لمدّة 30 دقيقة، في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) 2012، ارتياحاً وترحيباً في الأوساط السياسيّة والثقافيّة الكرديّة. وكان لي مقال نشر على هذه الصفحة بعنوان «قناة أورينت السورية المعارضة تنطق بالكردية». لكنّ، إطلاق فترة البثّ الكرديّ، لم تستطع أن تغطّي كثيراً على الميل «القومجي - البعثي» في تناول الملفّ الكردي، في سورية أو العراق، الموجود في فترة البثّ العربي، ليس فقط في نشرات الأخبار والتقارير الإخباريّة التي تورد معلومات مغلوطة عمداً، بل على صعيد برامج الحوارات أيضاً... والأمثلة على ذلك، أكثر من أن تحصى. شهد أداء «أورينت» مزيداً من الانزلاق نحو «النزوع القومي والطائفي» أخيراً، بخاصّة بعد هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي على مدينة كوباني الكرديّة السوريّة، وما نجم عن ذلك من مقاومة بطوليّة، لفتت أنظار كل قنوات التلفزة والصحف العالميّة وأدهشتها. في حين أن «أورينت»، مالت نحو التشكيك في هذه المقاومة، وتشويهها، بخاصّة بعد إمداد المقاتلين الكرد بالأسلحة جوّاً، من طيران «التحالف الدولي». إذ سعت القناة إلى العزف على اسطوانة «المؤامرة» والتقليل من شأن المقاومة الكرديّة، وإثارة الشبهات حول إرسال مقاتلي البيشمركة الكرديّة العراقيّة إلى كوباني، وأن قرار دخول «الجيش الحر» إلى هذه المدينة، لمحاربة «داعش» سيعيد المدينة «إلى الكنف السوري»! وهذا ما ذكرته مذيعة القناة ومقدّمة برنامج «نهاية الأسبوع» جميلة عاطف، وكأنّ المقاتلين الكرد المتحصّنين فيها ويقاومون تنظيم «الدولة» الإرهابي، لما يزيد عن شهر، هم «انفصاليون» (!)، باعتبار كل المناطق السوريّة التي تسيطر عليها «داعش»، ما زالت في «كنف» سورية! على مستوى التقارير الإخباريّة المصوّرة، سواء المتعلقّة منها بموضوع كوباني أو غيرها، بعض التقارير المعروضة في نشرات الأخبار أو برامج الحوارات، هي أقرب إلى لغة مقالات الرأي، أكثر من كونها رصد للأحداث والتصريحات، بسبب إقحام كاتب التقرير رأيه الشخصي أو رأي القناة في الديباجة، ناهيكم عن ترتيب الأخبار والأحداث والتصريحات، بحيث تخدم غرضاً معيّناً، لا الإحاطة بتفاصيل الحدث وتداعياته، بحياديّة. الحق أن قناة «أورينت» السوريّة المعارضة، وفي ما يخصّ الموضوع اللبناني أيضاً، انزلقت نحو لغة التحريض الطائفي، بشكل فج وفاقع، سواء على صعيد «إحراق» شيعة لبنان بجريرة تورّط «حزب الله» اللبناني في حرب نظام الأسد على الشعب السوري، فلا تألو «أورينت» جهداً في العزف على الوتر السنّي، وأن سنّة لبنان، وقواهم السياسيّة، ومرجعياتهم الدينيّة «متهاونة او متخاذلة، ولا تحرّك ساكناً أمام سطوة وسلطة «حزب الله» الطائفيّة على لبنان، والتعامل العنصري مع اللاجئين السوريين (السنّة). صحيح أن متابعة ورصد أحوال اللاجئين السوريين في لبنان والانتهاكات التي يتعرّضون لها، هي من صلب مهام أي منبر إعلامي، يزعم الموضوعيّة والحياد... وما تبذله «أورينت» في هذا الإطار، مشكور ومشهود له، ولكن صحيح أيضاً، ان يكون هذا الرصد والمتابعة بعيداً من لغة التهييج والتجييش الطائفي المقيتة. وإذا نحت «أورينت» هذا النحو، (وهي فعلت مع الأسف، ما أجبر الزميل حازم الأمين على رفض إكمال المشاركة في أحد برامج «أورينت»، للسبب ذاته)، حينئذ، ستنعدم الفوارق بين «أورينت» وقنوات التلفزة التابعة لنظام الأسد في سورية ولبنان، بخصوص جزئيّة النزوع والإنزلاق الطائفي. على قناة «أورينت» السوريّة، إجراء مراجعة نقديّة جديّة عاجلة لأدائها، في ما يخصّ الموقف من الكرد السوريين، ومن المسألة الطائفيّة أيضاً، بدلاً من استضافة كاتب كردي سوري في أحد برامجها، كي يردّ على هذه الملاحظات والانتقادات، كما فعلت سابقاً! ولا يكفي القول: «وماذا يريد الكرد أكثر؟ نحن منحناهم نصف ساعة بثّ بالكردي ونغطي الأحداث والأخبار الكرديّة ونستضيف الأكراد من كل الأطراف؟». هذا صحيح، ولا خلاف حول ذلك. الخلاف هو في المعالجات الإعلاميّة وطريقة تحرير الأخبار والتقارير الإخباريّة، وإعداد الملفّات، ونوعيّة الأسئلة التي يطرحها المذيعون والمذيعات ومدى وقوفهم - وقوفهنّ على الحياد... من دون أن ننسى أن من يزعم حمل راية الإعلام الوطني الموضوعي والمهني المعارض لنظام الأسد – البعث، وما تركه من موروث ثقافي وذهني ونفسي فاشي، يجب ألاّ يُمنن أحد بما قام أو يقوم به تجاه كرد سورية، كون هذا من حقّ الكرد السوريين على الإعلام السوري، ومن واجب هذا الإعلام تناول قضايا وشؤون وشجون كرد سورية، من دون معالجات ملتبسة ومشتبه بها. ذلك أن نظام صدام حسين، كانت لديه إذاعة كرديّة منذ نهاية الستينات، وله قناة تلفزة رسميّة ناطقة بالكرديّة. وكذلك النظام التركي، أطلق قناة ناطقة بالكرديّة. ومع ذلك، استمرت أنقرة في قمع الكرد، وزجّ مئات الصحافيين والنشطاء والحقوقيين الكرد، وآلاف المواطنين العاديين في سجونها!