قالت: «البتر هو الحل»، فرد: «نعم، وجع ساعة ولا كل ساعة»! أضافت: «يتم فصل الرأس، ثم يخير الجسد بين الخضوع للعلاج وإعادة التأهيل أو البتر كلياً»! أومأ برأسه موافقاً: «ويحدث هذا اليوم قبل الغد»! وصدرت همهمات مؤيدة بين الحضور صب جميعها في خانة «المخرب يدان» و «المحرض يحاكم» و «القاتل يقتل» و «الخائن يعدم»! وبينما المجموعة تناقش سبل التعامل مع «أنصار المعزول» في «رابعة» واحتجاجاتهم السلمية التي لا تخلو من خطف مواطنين، واعتصامهم الراقي الممزوج بأنشطة تعذيب رمضانية، ومسيراتهم المشوبة بقليل من إطلاق النيران على معارضي «المعزول» في «التحرير»، وتدويناتهم العنكبوتية الصابة جام غضبها بأفظع الشتائم وأقبح الألفاظ على كارهي «الإخوان»، وصل الخبر العاجل: «انفجار عنيف أمام مديرية أمن الدقهلية»! صدمة عنيفة! لكن الصدمة تحرك مياه الأذهان الراكدة وتستحضر تصريحات الماضي القريب وتستجمع جزئيات المشهد. قالت: «إذن سيناريو التهديد بحرق مصر المؤجل بفوز الفريق شفيق في انتخابات الرئاسة جاري تنفيذه الآن»! ردّ موافقاً: «يبدو أن جناحهم العسكري ومساعديهم ينفذون المخطط بدقة»! واستحضر الباقون عبارات إخوانية شهيرة من التاريخ الحديث على غرار «سواء كانت حلايب وشلاتين موجودة في الأراضي السودانية أو المصرية، فلا أرى فيها أي مشكلة» و «طز في مصر وأبو مصر وإللي في مصر» و «اللهم توفني على الإخوان» وغيرها من درر تصريحات الجماعة الكاشفة عن ترتيب أولوياتها حيث تأتي مصر ومصالحها الوطنية وشعبها وحدودها في ترتيب متدن. تدنى المشهد السياسي الحالي إلى درجة الانخراط في العنف والمجاهرة بتواجد عناصر عربية «شقيقة» مناصرة ل «الشرعية والشريعة»، والكذب والتدليس الخطابي يبدو واضحاً في ظل رد فعل الجماعة وحلفائها على عزل الدكتور محمد مرسي. فمن تفجيرات إرهابية في المدن، إلى هجمات جهادية في سيناء، ومسيرات على أنغام الأغاني السورية، إلى أحاديث منصات «برو ديموكراسي نو كو» (مع الديموقراطية ضد الانقلاب) بفتيات غير محجبات ويرتدين ملابس ضيقة كاشفة، في رسالة مفادها أن «العلمانيات اللاتي كنا نصفهن بالأمس القريب باعتبارهن كافرات عاهرات يقفن الآن مع الشرعية والشريعة». تبذل الجماعة قصارى جهودها إما لإعادة الرئيس المعزول، وإن تعذر ذلك، فليتم حرق مصر وشعبها! أحداث ومشاهد ليلة رمضانية دامية من ليالي «الشرعية والشريعة» اوجعت قلوب المصريين، لكنه وجع خطير يؤذن بتحجر في المشاعر وجمود في التعاطف وتيبس في طيبة القلب المعتادة تجاه «الناس بتوع ربنا»! قالت: «تعاطفت معهم على مدى سنوات طويلة تعرضوا خلالها للظلم والتنكيل والسجن! لكن يبدو أن فكرهم الحقيقي لا يؤهلهم إلا لذلك»! فقال معلقاً: «أخجل من نفسي أحياناً حين أحلم باليوم الذي أصحو لأجد مصر وقد خلت منهم، ولكن أعترف أن كم هذا الخجل يتضاءل يوماً بعد يوم»! هجوم «الأهالي» على مسيرات «الإخوان» هجوماً عفوياً تتراوح أسبابه بين كراهية «المعزول» وثأرية هجمات سابقة في المنيل والتحرير والاتحادية والمقطم وقناعة بأنهم جماعة تحمل الخراب إلى مصر كان يفترض أن يؤجج التنديدات الحقوقية ويفجر المصالحات الشعبية وينعش عبارات تاريخية على شاكلة «صلوا على النبي» و «المسامح كريم»، لكن يبدو أن السيل بلغ الزبى! الزبى (الحفر) التي حفرتها الجماعة وحلفاؤها على مدار عام مضى من أجل ترسيخ دعائم الحكم الديني وإحكام قبضتهم على مصر تحولت اليوم إلى حفر لتاريخ دعائم مصر الجديدة الكاشفة لحقيقة الجماعات المرتدية عباءة الدين. كتب أحدهم مغرداً: «برنامج الإخوان اليومي. سب الجيش في رابعة نهاراً. تراويح وقطع الطريق ليلاً. الختام بفقرة ضرب سيناء وقتل شعب مصر إلى السحور. ناس بتوع ربنا فعلاً». ودونت إحداهن مؤكدة أن «من كثر ما الشيطان شاطر، أقنع البسطاء والغلابة إن الإخوان المسلمين ناس بتوع ربنا»، وكتب آخر «هانتخبهم لأنهم ناس بتوع ربنا. من مذكرات مواطن مغفل»! وبينما الحقائق تتكشف في مصر تكشفاً يجبر الجميع على خلع الأقنعة وغسل المساحيق واجتثاث اهتراءات وأكاذيب «رئيس لكل المصريين» و «الشباب في القلب» و «نحمل الخير لمصر» و «النهضة إرادة شعب» وغيرها، تظهر فاتورة حساب باهظة الكلفة. القول المأثور الأكثر تداولاً عنكبوتياً ومجتمعياً حالياً، هو ذلك الذي نطق به رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إبان أحداث الشغب في بريطانيا في آب (أغسطس) 2011، إذ قال «عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان»! الأصوات الحقوقية الخافتة التي تحاول أن تلمح أو تشير أو تنبه أو تحذر أو تلوح بخطورة تعرض أنصار الدكتور محمد مرسي لانتهاكات تهدد حقوقهم الإنسانية، باتت تقابل بالرفض والاستهجان والمعاداة. «وأين أنتم من حقوق الجنود الذين يقتلون يومياً في سيناء؟»، و «اصمتوا أنتم وحقوق إنسانكم الإخواني الخائن»! أما نداءات المصالحة والمواءمة والتوافق والاندماج والمشاركة وغيرها من تلك الداعية إلى وفاق يشمل الجميع، فتتضاءل وتتقلص على مدار الساعة الحدثية، حيث القنابل اليدوية والشوم الخشبية والأسلحة النارية والشماتة في مقتل الجنود والتخطيط لحصار المنشآت والتكتيك لإحراق البلاد والوعد بإطفاء الحرائق وإخماد الجهاد وإيقاف الإرهاب في حال عاد مرسي للقصر! عادت لتقول: «البتر هو الحل»، وعاد هو يوافقها الرأي: «وجع ساعة ولا كل ساعة»!