الحب حال ذوقية تفيض على قلوب المحبين، لا يفشيها وفسرها سوى الذوق. وكل ما قيل في المحبة ما هو إِلا بيان لآثارها، وتعبير عن ثمارها، وتوضيح لأسبابها. والإنسان مجبول على الحب، وإذا لم يُحب ضاع قلبه، فهو بحاجة إلى حب كبير يملأ وجوده، ولا حب على الكمال إلا حب الله جل جلاله. ووفقاً لقانون «الصوت والصدى» فإذا امتلأ قلبك بحب الله امتلأ الكون بحبك، ذلك أن التعرف على الله، وإحسان الظن به، والتوكل عليه، قوة في التسامي تخلق السكينة وتنتج الوعي، وهذا ما يجعلك في حال اتصال كوني. يقول الإمام ابن القيم: «علو الهمة ألا تقف دون الله». ويقول: «إذا غُرست شجرة المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها في كل حين بإذن ربها. أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى». اه. لقد كان السلوك إلى الله بالحب هو طريق الوصول، لكن ثقافات تهمش الحب وتقلل من أهمية بناء السلوك الداخلي، وتجعل اهتمامها في بناء السلوك الخارجي، هذه الثقافة أنتجت الجفاف الروحي لدى الإنسان، وإنسان هذا العصر بالذات الذي لا تنقصه حُجُب الروح! إذا كنت حريصاً على وجودك الحقيقي فلا يكون ذلك إلا ب«السلوك إلى الله، والوصول إليه، والوجود به»، وهي منازل السائرين، كما يعبر الإمام ابن القيم. وقد وجدت من واقع تجربة أن «الحمد لله والثناء عليه» طريق تتجلى فيه قوة الحب الإلهي. اهتمام الإنسان بحقيقته وكينونته يجعله لا يسمح بالخصومة والجدل، فالطريق إلى الله هو السلام (اللهم أنت السلام ومنك السلام)، (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)، فكل ما يشتت القلب وينقله من الحب إلى الكراهة فليس من طريق الله في شيء، ولم تسم بعلم أو غيره. ونحن في هذا العصر، وفي ظل الوجود المتصل مطالبون بإعادة (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، ونحن في هذا العصر مطالبون خدمة للإنسانية وارتقاءً بها، مطالبون بإعادة بناء «نظرية الحب الإلهي»، وهي تحويل الإنسان إلى الشعور بمحبة الله له، ليدفعه ذلك إلى مقابلة الحب بالحب. ليكون هذا الإنسان قائماً بحقيقة وجوده في الحياة. ولأجل بناء «نظرية الحب الإلهي» لابد من درس الأسباب التي أدت إلى خفوت هذا الشعور معرفياً واجتماعياً، ثم الرجوع للحال الجميلة التي كان عليها الأنبياء والحكماء ومحاولة قراءتها من جديد وبروح العصر الذي نعيشه، وتقديمها (رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). * عضو مجلس الشورى. [email protected] @Alduhaim