حديث الحب في القرآن الكريم حديث مدهش، وقد نطقت مواعظ، وكتبت مقالات عن الحب في القرآن، ولكن الكلام منها كان تفسيرياً، يتحدث عن الصفات التي يتخلق بها الإنسان حتى يكون لائقاً بالحب الإلهي له. كالمحسنين في قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، و(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وكالصابرين في قوله تعالى (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، وكالمتوكلين في قوله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، وكالتوابين والمتطهرين في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وهو كلام لا يخلو من الفائدة الفقهية، ولكنه، مع الأسف، كلام يخلو من الحال الوجدانية الذوقية للحب الإلهي العظيم. إن ما عرض لي من العظمة الإلهية وأنا أقرأ الآيات السابقة قوله تعالى (اللَّهَ يُحِبُّ) إنه جلال الجمال، فقد قال (إن الله جميل يحب الجمال)، الله الذي يحب هو الإله الجميل الكريم الرحيم الودود، وليس كما تصوره بعض الأدبيات من أنه الإله الذي يعذب. إنه الله الرحمن الرحيم نادى المسرفين على أنفسهم بالعصيان بكل اللطف فهم عباده فقال لهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). أما الذين يبدؤون بالمكر ف(يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، والذين يبدؤون بنسيانه فقد (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، والذين بدأوا الزيغ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، أما الله فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت رحمته كل شيء. إنه الحب الإلهي المدهش، ولك أن تتأمل ماذا يحدث في السماء من أجلنا! اقرأ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)، واقرأ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) فيا الله من أجملك. إن (اللَّهَ يُحِبُّ) ولا طاعة له إلا بحب، بل إن الطاعة والاتباع ثمرة من ثمرات الحب المقدس، ونحن نقرأ: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ). وهكذا حياتنا يجب أن تكون بحب، فالحياة هبة لنا من الله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ). أما الذين انحرف لديهم معنى الحب من القداسة إلى الدناسة فعليهم أن يكتشفوا أن (اللَّهَ يُحِبُّ) وأن يبحثوا عن أسرار الحب في الوجود، بدلاً من أن يُجرّموا الحب ويسوقوا للكراهية. كل التعليم وكل التعاليم التي تتنافى مع عظمة الحب المقدس يجب أن تتوقف لينعم الإنسان بوجوده، ويلتذ بربه ويشعر بقربه، وعند ذلك يتحقق السلام... (اللهم أنتَ السلام ومنك السلام). * عضو مجلس الشورى. [email protected] @Alduhaim