تختلف الأشجار كما يختلف ما تنتجه من ثمار، وبعضها يتميز بخصوصية تجعلها في مصاف الأشجار المباركة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وذلك لأهميتها وفائدتها العائدة على الإنسان، ورمزاً للبقعة التي تنبت فيها؛ كشجرة الزيتون. تعد واحدة من الأشجار التي تحتل مكانة كبيرة واحتراماً شعبياً في البلاد العربية والإسلامية، ولعل القيمة التاريخية لهذه الشجرة غير ورود اسمها في القرآن الكريم، ما ذكرته المصادر المختلفة في رحلة نبي الله نوح عليه السلام بعد جريان سفينته على المياه التي أغرقت قومه، وإطلاقه حمامة تأتي له بخبر ابتلاع الأرض للماء، فعادت وهي تحمل بمنقارها غصن زيتون وقدماها ملطختان بالطين كبشارة على النجاة. اهتم الفينيقيون بشجرة الزيتون، فقاموا بزراعتها ونشرها في معظم دول البحر المتوسط، وتستقر معظم الآراء التاريخية على أن شجرة الزيتون نشأت في البدء في فلسطين، ومنها انتشرت إلى البلدان المجاورة وتركيا وإيران وشمال أفريقيا، ثم عن طريق التجارة إلى إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وسواها، وتمتاز أشجار الزيتون بمقاومتها للحر والبرد والجفاف والملوحة، وهي أشجار معمرة تترك عملاً متوارثاً بين الأجداد والأحفاد، وتستمر في العطاء لمدة طويلة. وتفرز ثمرة الزيتون بعد عصرها زيتاً نافعاً ومغذياً يختلف باختلاف عصره وتصفيته، يقول عنه أحمد فرقان أحد باعة زيت الزيتون في جدة: «في الماضي كان يتم العصر بأدوات حجرية وخشبية، لكن اليوم تطورت عملية العصر فأصبحت المعاصر تستخدم آلات حديثة وسريعة، فبعد قطاف الزيتون من الأشجار يتم تجهيز وإعداد الزيتون وتوزيعه مع إزالة الأوراق، ثم تبدأ عملية الغسيل والجرش والخلط والتقليب، ثم مرحلة فصل الزيت عن الماء أو أي من الشوائب، وأخيراً خطوة التنقية باستخدام الطرد المركزي، ثم تأتي مرحلة التوزيع في عبوات مختلفة المقاسات». ويضيف: «شهر رمضان الشهر الأكثر طلباً على زيت الزيتون وبخاصة البكر منه، والذي يعد العصرة الأولى للزيتون والأكثر فائدة». مشيراً إلى أن «الأسعار تختلف باختلاف النوع والكمية؛ فالزيت الفلسطيني يختلف سعره عن الزيت السوري أو التونسي، والزيت القادم من منطقة الجوف شمال السعودية يرغبه السعوديون ويطلبونه ليس في رمضان بل في مختلف الشهور، وهو يأتي بعبوات مختلفة وأسعار متفاوتة». وتستخدم معظم الأسر العربية زيت الزيتون على موائدها الرمضانية، ويحضر في مختلف الأطباق التي تقوم بإعدادها ربة المنزل، ويضاف إلى مختلف الأكلات الخاصة بشهر رمضان المباركة، كالسنبوسة والكنافة وسواها. تقول أروى عبدالله: «نحرص على وجود زيت الزيتون في المنزل باستمرار، وبخاصة في الشهر الفضيل، ونستخدمه في مختلف الأطباق الرمضانية كالسنبوسة والكنافة والقطائف والمقليات بأنواعها إضافة إلى السلطات والمقبلات المتنوعة، فهو زيت طبيعي ومغذ ويحافظ على صحة الأطفال، وحاولت أن يكون حاضراً في كل وجبة أقوم بصنعها». وتؤكد المصادر الطبية أن زيت الزيتون يسهم بشكل فعال في الحدّ من الإصابة بارتفاع الكولسترول في الدم، والحدّ من تصلب الشرايين، والوقاية من أمراض القلب والجلطة. كما يلعب زيت الزيتون دوراً هاماً في الوقاية من السرطان وتجنيب جسم الإنسان مخاطر عدة نتيجة للزيوت غير الطبيعة التي يكون مصدرها غير معروف، ليحضر زيت الزيتون سيداً على المائدة الرمضانية بكامل فوائده ونكهته المتميزة. وتحضر شجرة الزيتون في قصائد عدد من الشعراء كرمز للبقاء والخلود؛ فيقول الشاعر الراحل محمود درويش: «شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك هي سيدة السفوح المحتشمة بظلها تغطي ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة تقف كأنها جالسة، وتجلس كأنها واقفة. تحيا أختاً لأبدية أليفة وجارة لزمن يعيها على تخزين الزيت النوراني وعلى نسيان أسماء الغزاة، ما خلا الرومان الذين عاصروها واستعاروا بعض أغصانها لضفر الأكاليل. لم يعاملوها كأسيرة حرب، بل كجدة محترمة ينكسر السيف أمام وقارها النبيل».