تعيش تونس هذه الأيام حالة من التوتر بخاصة في ضوء دعوات من قوى شبابية وشخصيات سياسية تطالب بحل المجلس الوطني التأسيسي وكل السلطات المنبثقة عنه (الحكومة ورئاسة الجمهورية)، وهو ما جعل مراقبين يتوقعون تحركات وتظاهرات مناهضة للحكم، على غرار ما حصل في مصر. وتقدمت رئاسة الجمهورية التونسية إلى النيابة العمومية طالبة فتح تحقيق ضدّ كل من ستكشف عنه الابحاث الجارية «من أجل العمل والدعوة الصريحة والعلنية إلى تبديل هيئة الدولة ونظام الحكم فيها، عبر تحريض العسكر بالبلاد التونسية على تنفيذ انقلاب - بصفة مباشرة أو غير مباشرة - على السلطات الشرعية»، بحسب ما جاء في بيان الرئاسة. وبحسب مراقبين فإن التحقيق يمكن أن يطاول زعماء وقيادات سياسية وإعلامية معارضة دعت إلى حل المجلس التأسيسي والمؤسسات المنبثقة عنه وإسقاط نظام الحكم القائم بحسب السيناريو المصري الذي تعتبره الحكومة التونسية انقلاباً عسكرياً أطاح شرعية الانتخابات التي أوصلت الإسلامي محمد مرسي إلى سدة الرئاسة. وأثار طلب فتح التحقيق استياء أحزاب وجمعيات مدنية اعتبرت هذا الإجراء منافياً لحرية التعبير وحق التظاهر. وأكدت مصادر في رئاسة الجمهورية أن المعارض اليساري الطاهر بن حسين (قيادي في حركة «نداء تونس») سيمثل أمام السلطات القضائية للتحقيق معه حول دعوته الجيش التونسي إلى الإنقلاب على الحكم أسوة بالسيناريو المصري. وفي السياق نفسه، لا تزال النسخة التونسية من حركة «تمرد» تجمع التوقيعات للمطالبة بإسقاط النظام، وقد اعتقلت السلطات أول من أمس الخميس أحد القيادات الجهوية للحركة، في حين تحدث الناطق الرسمي باسم «تمرد» عن تعرضه لمحاولات اغتيال. وفي المقابل، يعقد المجلس التأسيسي، منذ الخميس الماضي، سلسلة من الاجتماعات من أجل التوافق حول النقاط الخلافية الموجودة في مسودة مشروع الدستور التونسي المعروض على المصادقة، وذلك بناء على توصيات مؤتمر الحوار الوطني الذي نص على ضرورة التوافق حول مضامين الدستور قبل الانتقال إلى المصادقة على فصوله. وأنهى المجلس التأسيسي مطلع الأسبوع الجاري مناقشته العامة الأولى لمشروع الدستور، وأحال الموضوع على لجنة توافقات للبت في خلافات بين الكتل النيابية بشأن عشر نقاط يتضمنها مشروع الدستور الجديد تتركز أساساً حول العلاقة بين الدولة والدين وشروط الترشح للرئاسة والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان وباب الأحكام الانتقالية التي تنظّم كيفية دخول الدستور حيّز التنفيذ. وقد توصلت الكتل النيابية إلى توافق بخصوص الفصل 48 الذي يتعلق بضوابط الحقوق والحريات، فبعد أن كان الفصل ينص على سن قوانين تضبط الحقوق والحريات عندما «يتعلق الأمر بالأمن الوطني وحقوق الغير»، وهو ما اعتبرته المعارضة والجمعيات الحقوقية مدخلاً لانتهاك الحريات بحجة الحفاظ على الأمن العام، أصبح الفصل ينص على أن القوانين تضبط الحقوق والحريات «من دون المساس من جوهرها وما تقتضيه الدولة المدنية الديموقراطية وحقوق الغير». وتواصل لجنة التوافقات اجتماعاتها الماراتونية من أجل التوصل إلى صيغ مقبولة للجميع في خصوص النقاط الخلافية قبل المرور إلى المصادقة النهائية على الدستور الجديد. ويقول مراقبون إن التوافق الحاصل بين مختلف القوى السياسية في خصوص مشروع الدستور فرضته الأحداث الجارية في تونس ومصر والتوتر الذي أصبح يهدد الشارع التونسي بعد دعوات من ناشطين شبان الى «التمرد وإسقاط النظام»، إضافة إلى دعوة قوى سياسية على غرار «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) وحركة «نداء تونس» العلمانية (يرأسها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي) إلى حل الحكومة التي يرأسها القيادي في «حركة النهضة» علي العريض وحل المجلس التأسيسي وتعويضه بلجنة خبراء تُنهي صوغ الدستور. وكانت حركة «النهضة» الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس قد عبّرت عن رغبتها في التوصل إلى اتفاق مع الفرقاء السياسيين حول إنهاء الفترة الانتقالية في أسرع وقت ممكن، وذلك بعد عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي في مصر وتصاعد دعوات من قوى شبابية وسياسية لإسقاط حكم «النهضة» في تونس.