انتظر محبو الجاز في لبنان حفلة المغنية الأميركية دي دي بريدجووتر وصاحب الأنامل الذهبية المؤلف الموسيقي وعازف البيانو رامزي لويس، بفارغ الصبر. كانوا متخوّفين من عدم مجيء نجمي الجاز العالميين، بسبب الأوضاع الأمنية التي تعصف بالبلاد. لكن، لجنة مهرجانات بيت الدين استطاعت أن تفي بوعدها مع جمهورها بعدم تغيّب أي فنان من الفنانين الذين برمجت حفلاتهم مسبقاً. إلا أن الحفلة المنتظرة التي بدأت متأخرة نحو ساعة عن الموعد المحدد، انتهت أيضاً بعد ساعة وربع الساعة فقط. فالجو الرومانسي الحالم الذي سافر إليه الحاضرون بعيداً عن أخبار الانفجارات والاغتيالات وانقطاع التيار الكهربائي في بلادهم، ما برح أن انتهى فجأة. كأن الحفلة التي حملت عنوان «الجاز بأفضل حال» مع «سيدة الحرية» الستينية، كانت كالحلم الجميل الخاطف الذي سرعان ما ينتهي من دون مقدمات. الحلم القصير الذي خيّمت عليه أجواء الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث صدح صوت دي دي بريدجواتر، بدأ مع أغنية «أون برودواي» وعزف رامزي لويس الهادئ البديع مع فرقته التي ضمت أربعة موسيقيين. ثم تركت مؤلفة أغنيات الجاز المكلّلة ثلاث مرّات بجوائز «غرامّي» والحائزة جائزة «توني» وسفيرة الأممالمتحدة لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، المسرح لرامزي لويس ومفاتيح البيانو ليعزف مقطوعتي «The way she smiles» و «برازيليكا». فتنقّلت أنامل العازف السبعيني الرشيقة من يمين البيانو حيث اللحن يكون رفيعاً وحاداً، إلى أقصى يساره، محوّلاً ساحة قصر بيت الدين إلى حانة أميركية قديمة تملؤها العواطف وأصوات الموسيقى الأميركية المتلبّدة بالحزن حيناً وبالفرح أحياناً. ثم عادت الممثلة في فيلم «Lady Day» التي أدت دور بيلي هوليداي، إلى المسرح الذي ما أن تصل إليه حتى تشعله حيوية وإغراء، مقدمة واحدة من أروع أغنيات الجاز «Save your love for me» قدّمتها تحية إلى مغنية الجاز الأميركية نانسي ويلسون التي سبق أن تعاونت مع رامزي لويس. وحملت بريدجووتر المهواة وبصوتها القوي والحنون الذي يزاوج بين الحزن والفرح، أنشدت أغنية «I can't help it» التي كان بين من غناها أيضاً ستيفي ووندر ومايكل جاكسون. ورافق بريدجووتر على البيانو خلال هذه الأغنية أدسيل غوميز من بورتوريكو، وهو يتعاون معها منذ 13 سنة. وقالت مازحة: «ثمة زواج موسيقي بيننا». وتنقلت بريدجووتر بكعبها العالي بخفة على الخشبة أمام قناطر القصر العريق، ورقصت وتمايلت وعاشت الأغنيات التي أدتها، مالئة الخشبة بحضورها المسرحي وصوتها. وكانت أحياناً تمسك بطرفي ثوبها وتتمايل ثم تجلس إلى جانب البيانو. وتعكس مداخلاتها بين أغنية وأخرى وصدى ضحكاتها طبعها المرح. وغنت بريدجووتر الحب والحلم والرومانسية وأنشدت «night moves» التي كتبها لها مايكل فرانكس وطبعت بدايات مشوارها الفني. وعلّقت على الأغنية أن «الحياة تشبه الأفلام بتراجيدياتها». ثم غنّت «one fine thing» بطريقة تمثيلية مغرية. ولم تتوان مغنية الجاز القديرة عن أن تقدم تحية إلى مغنية الجاز الراحلة ايلا فيتزجيرالد. وعاد رامزي إلى المسرح ليشارك دي دي عزفاً، أغنية «the city». لكن فيما كان الجمهور ينتظر أن تغني له دي دي بريدجووتر كثيراً من جعبتها الثرية مثل «song for my father» و «Into my soul»، أنهت حفلتها ب «God bless the child» لمغنية الجاز الراحلة بيلي هوليداي. وكانت بريدجووتر جسدت دور هوليداي على المسرح في باريس عام 1986 في مسرحية عنوانها «لايدي داي». يذكر أنه سبق لدي دي بريدجووتر ورامزي لويس أن التقيا في حفلات عدة أبرزها على خشبة الأولمبيا في باريس مطلع 2013. ونالت دي دي جائزتي «غرامّي» وجائزة «توني» لأدائها التمثيلي المسرحي. وهي تتقن اللغة الفرنسية وتغني بلغة موليير. وهي الأميركية الأولى التي شغلت منصب عضو في المجلس الأعلى للفرنكوفونية، وعينت سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة منذ عام 1999. وفي سجلها 19 ألبوماً والعديد من المسرحيات الغنائية. رامزي لويس... المؤدي المتميّز عُرف رامزي لويس المؤلف وعازف البيانو والأسطورة في عالم الجاز بلقب «المؤدي المتميّز»، نظراً إلى ما يتمتع به من مهارة في عزف الجاز ومن تمايز موسيقي في أداء ألحان كلاسيكيّة تعكس شغفه بموسيقى الجاز وسائر أشكال الموسيقى. يتحدر رامزي من شيكاغو. حاز ثلاث جوائز «غرامّي» ونال الامتياز الوطني لفنون الجاز التي تعكس تمايز شيكاغو في التنوّع الموسيقي. تلقّى خمس درجات دكتوراه فخريّة والعديد من الامتيازات في سيرته المهنيّة.