لم يعد «المشي بجوار الحائط»، في مصر، أمراً يُبعد صاحبه عن الشبهات. فمع إحكام قوات الأمن قبضتها على شوارع القاهرة الكبرى، وتحجيم تظاهرات «الإخوان المسلمين»، بات المتظاهرون المؤيدون للرئيس المعزول محمد مرسي، يلجأون إلى الجدران، ليكتبوا فوقها شعاراتهم المناهضة للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، فيتوعّدوا نظامه ب«السقوط»، مبشرّين أنصارهم ب«عودة الشرعية»، على حد تعبيرهم. وفي مقابل كل عبارة معارضة للسلطة يخطّها متظاهر ليلاً على جدران البنايات في الشوارع الرئيسية في القاهرة، يتكفّل كل صباح عامل أو أكثر من موظفي إدارات الحكم المحلي، بإزالة المكتوب، وإعادة طلاء الجدران. الجدران التي أخرجتها «ثورة 25 يناير» عن صمتها، وعبّر شبانها عن احتجاجهم بالكتابة والرسم عليها، باتت الآن ضمن مسارح مواجهات «الإخوان» مع السلطة الحالية، وإن كان بعض أنصار السلطة يلجأون إلى الجدران للدعاية، كما حدث في الاستفتاء على دستور 2014، حين دعا مؤيدون عبر كتابات على الجدران في الميادين الرئيسية في القاهرة، المواطنين للتصويت بنعم. «امسح هكتب تاني»... عبارة محاها عامل في إدارة الحكم المحلي في الجيزة، عن جدار في نفق الهرم، أحد أبرز شوارع إقليم القاهرة الكبرى. العامل الذي يُدعى محمد سيد أحمد، قال: «بين يومٍ وآخر، أحضر إلى هنا لمحو ما يكتبه المتظاهرون الإخوان. يكتبون عبارات نابية، وسباباً ضد الدولة وضد رئيس الجمهورية، فضلاً عن أن كتاباتهم تشوّه الجدران، وهي ملكيّة عامة يجب ألا يتم التعدي عليها». ويعتقد أحمد أن المحتجين يبعثون إليه ب«رسائل خاصة»، مثل عبارة «امسح هكتب تاني» التي يمحوها بشكل شبه يومي، ويقول: «أمحو العبارات، وأعرف أنهم سيكتبونها من جديد ». أحد المارة، يُدعى سليمان عبدالكريم (47 عاماً)، قال وهو يراقب أعمال إعادة طلاء الجدران: «الدولة قررت تجفيف منابع الاحتجاجات ضدها. تركوا المحتجين ضد الإخوان حين كانوا في الحكم، لكنهم الآن يمنعون المحتجين الإخوان من الكتابة. هذه معركة بين سلطة زالت، وأخرى جديدة، ولا علاقة لما يحدث بالثورة». وفي حين ركّز أنصار الإخوان، بعد فترة قصيرة من عزل مرسي على التبشير بعودته للمنصب الهام، مستخدمين عبارة «مرسي راجع»، يبدو أن آمالهم تراجعت مع مضي الوقت، وباتوا يركزون في شعاراتهم على الجدران على «إسقاط حكم السيسي»، و«استمرار الثورة»، وغير ذلك من العبارات التي تنتقد الإعلام المصري الذي يرونه سبباً رئيساً في إنهاء حكم الإخوان. وفي حال تم القبض على أحد المحتجين وهو يكتب العبارات المناهضة للسلطة، فإنه يواجه تهماً متعلقة ب«التحريض على العنف»، أو «الدعوة لقلب نظام الحكم». وكانت الحكومة أعلنت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، عزمها على إصدار قانون يجرّم الكتابة على جدران المنشآت العامة والخاصة. وبحسب تصريحات لوزير التنمية المحلية اللواء عادل لبيب، حينذاك، فإن مواد القانون، تقضي بمعاقبة كل من يكتب العبارات المسيئة على جدران البنايات العامة والخاصة، ومن يقوم بإلقاء القمامة والمخلفات، في الشوارع والميادين، أربع سنوات وتغريمه مئة ألف جنيه، ومصادرة الآلات التي يستخدمها في ذلك.