يكاد يتصدع كل بيت سعودي من تكرارها، «قفّل الباب يا ولد»، وتزداد شعبيتها في ولائم إفطار أو سحور بسبب اختناق «الإيتيكيت والهدوء» بقبضة الوقت، لكن ذلك لا يخفي أن لكلماتها الثلاث دلالة على مجموعة من أقدم الأخطاء السعودية ذات التوقيع المشترك بين الحكومة والشعب. وقبل الذهاب إلى التوقيع فإن «يا ولد» تتسع لكل من يجاور الباب من صبيان، فتيات، زوجات، أمهات، أخوات، أو عاملات، مجرد نداء جهوري، لا نقصد منه إقناع ضيوفنا بخلو دارنا من النسوان، أو ليس بين نسواننا نسوان، أو أنهن أقرب للحال الذكرية، لكنه يندرج ضمن أساليب «تقية اجتماعية» انتشرت أخيراً تهدف لإخفاء أسماء النساء وكأنهن ينشطن في جهاز استخباراتي تجسسي. نفتح «قفّل الباب يا ولد» فندخل إلى عصر تغييرات كيماوية أصابت خيامنا وحولتها إلى حجيرات من طوب وأسمنت كذلك نصيب بيوت الشَعر، كان تسارع نوع وهندسة مساكننا الجديدة خارج عن سيطرنا، أسرع من تفكيرنا وخياراتنا، كنا ببساطة - في غالبيتنا كشعب سعودي - داخل مختبر «كيميسكاني»، نتعرض لتجربة عشوائية، عاقة لكل فروع الهندسة، «عمرانية، مدنية، تنموية، مجتمعية، عقائدية، مذهبية، ثقافية، نفسية»، حتى انتهينا إلى «مناقرة» أبوابنا، وكأن آحادنا طائر «نقار الخشب». كان يغيب عن البدو منا ثقافة البناء، وكانت تغيب ثقافة الترحال عن مجتمعات يوجد فيها تاريخ عمراني مديد، تقنيات، مدارس، وأيادٍ عاملة كانت كافية لبناء مدن صغيرة، لم يلتق بدو الشمال مع بناة الجنوب أبداً، أتى البديل من أفريقيا واليمن، ذلك بعد اعتماد وزارات سابقة إسرافاً في سياسة إسكانية من خطوة واحدة «خذ قرضاً يكفي لبناء بيت أينما، وكيفما تشاء». جاء البناؤون الأفارقة واليمنيون بالباب في مواجهة الباب، وأخطاء في تخطيط المنازل وأساليب البناء، لا يزال عليهم شاهد واقف على الأحياء العشوائية في المدن السعودية؛ بينما جاء السعوديون ب«خرابيط» لا تخطيط للمدن والأحياء السكنية، وكذلك وسائل احتيال متعددة من أجل اقتصاص أكبر جزء من القرض بعيداً من مشروع بناء البيت، كان معظم السعوديين - آنذاك - يعتقد أن بناء بيت شعبي على مساحة 20 متراً طولاً ومثلها عرضاً يعتبر «عملاً فرعونياً» فيه تجاوز للّباقة. تعايشت الشريحة الكبرى من السعوديين بمرونة مع بدايات عصر «البيوت الشعبية» ومنازل لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار في 10 أمتار «100 متر مربع» وهي أقل بكثير من مساحة مطعم رز بخاري حالياً، أو محل «بنشر» وفيها حُجيرات أقل بكثير من «مخبز تميس»، ولم تك هذه المساحات خانقة لأن السلوك الاجتماعي حينها كان متشبعاً بالاختلاط بين الجنسين، وثقة الناس بالناس، واعتداد الرجل بسيدات البيت اسماً ونصباً، كنا في تبوك «شمال السعودية» نعيش في بيئة مجتمعية تلاشت عدا جزءاً منها يمر «مُدبلجاً» في مسلسلات سورية أو أردنية. تشمل نواة الأسرة الصغيرة - في البيوت الشعبية القديمة «الرجل، زوجته، أخوانه، أخوانها، أخواته، وأخواتها، حتى أبناء العمومة حينها كانوا جزءاً من المحارم»، وكان ثمة متسع لاستضافة أبناء عمومة أتوا من القرية إلى حين تحقيقهم استقراراً في وظيفة ومنزل، ولم يك الباب حينها يعاني من «دوخة»، وكان للنساء أسماء صريحة، ثم، ثم، ثم ضاقت البيوت الشعبية بنا، اكتشفنا خطأ الأفريقي، وحماقة اختلاس جزء من قرض المنزل، وغباء تعففنا عن حيازة مساحات تكفي لأجيال الأسرة، نسينا أسماء نسائنا، هجرنا الأحياء القديمة، لم يعد الأرحام، أو أبناء العمومة ذا قربى، قتلنا أنفسنا اقتصادياً باستئجار منازل أكبر، أو بناء، زدنا عدد الحجرات، وأعلنا الحرب على الأبواب، عدا باباً واحداً يختفي خلفه سؤال: ماذا حدث؟ [email protected] jeddah9000@