الرطب وصل باكراً هذا العام، هو فعل في أعوام سابقة، ولم ينتبه الرأي العام أو إعلامه، وحدهم «الشيبان» والخبراء كانوا يعرفون أن هذا «اللون» غير طبيعي. وعرفنا - بفضل من الله ثم بفضل الإعلام والاتصال السريعين - أن هناك طريقتين لإنزال الرطب الملوّن قبل أوانه، الأولى بإشعال النيران تحت النخلة فترتفع درجة الحرارة فيتم طبخ الرطب أسرع، والثانية ما يسمى ب«الطبخ بالكبريت»، ولا أعرف تفاصيله، لكني رأيت صوراً على الإنترنت لأحواض يقال إن فيها مادة الكبريت «ربما حمض الكبريت» يوضع فيها البسر فينضج خلال دقائق، قاتل الله كل مَن يفعل ذلك. الهدف بالطبع مادي بحت، فنزول الرطب مع إطلالة الشهر الكريم يجعل الناس تدفع فيه الغالي والثمين. ولارتباط الرطب الطازج تحديداً بروحانية الإفطار وطقوس رمضان، يدفع حتى محدود الدخل وضعيف الحال أي ثمن للحصول على هذه المتعة الوجدانية، وهنا أحسب الجريمة مضاعفة وتجب مضاعفة عقوبتيها. أي جريمة غذائية هي جريمة خيانة عظمى، لأمانة الله، وعهد خلقه، ونظم وقوانين ولاة آمر الناس، وعندما يتعلق الأمر بالرطب والتمر في المملكة فأعتقد أن الجريمة تأخذ بُعداً أعمق وأسوأ، فالتمر والرطب على كل مائدة وله مكانة وجدانية أصيلة، فهو مذكور في القرآن غذاء لمريم البتول - عليها السلام -، والنخل من أشجار الجنة ولا توجد مائدة تخلو منه، طعام الفقير وحلوى الغني، وهو من المحاصيل الاستراتيجية للأمن الغذائي السعودية، فيكون العبث به وبسمعة هذا المنتج ضرباً من الاستهتار بالبلد وبأهلها ويُوجب الضرب بيد من حديد. رأيت تحذيرات من أخصائيي غذاء، ولم أرَ تحذيراً من وزارة الزراعة، ومن قبل لم نرَ تفتيشاً دقيقاً على المزارع وعلى المحلات التي تبيع، وهذه الأخيرة مسؤولية مشتركة مع وزارة التجارة وهيئة الغذاء والدواء، وربما البلديات، لا أعرف تحديداً، لكنني أعرف أن الرقابة على المنتوجات الزراعية ضعيفة، هناك في المزرعة، ثم هناك على الطريق عند نقلها، وهنا عند تخزينها، وعرضها ل«الغلبان» النهائي المسمى «مستهلك». ضعف الرقابة سمة معتادة، ويبدو لي أن معظم الأجهزة - بما فيها وزارات الزراعة والتجارة والبلديات - لديها المشكلة نفسها، توسع الأعمال ونمو السكان بوتيرة أعلى من نمو مقدراتهم البشرية، فهل يعني هذا استسلامنا؟ وأكل زوار بلدنا رطباً بنكهة الكبريت وأمراضه. هناك نقطة أخرى مهمة، هي أن كثيراً من المزارع ليست مسجلة كمزارع رسمية منتجة، فهي إما استراحات أو قصور خاصة بمساحات كبيرة سُلّمت زراعتها ومنتجاتها للعمالة، أو هي مزارع تحمل أسماء عائلات ولها بوابات خاصة، وهي في الحقيقة مؤجرة من الباطن لهذه العمالة وليس لأهلها سوى «الفيلا» التي يقضون فيها وقت النزهة، ونخلتان أو ثلاث يأكلون من رطبها وقليل من «الورقيات النظيفة»، وما عدا ذلك فهو في أيدي غيرهم. التطاول على الغذاء تطاول على أمن البلاد، والتطاول على الرطب والتمر تحديداً فيه ازدراء لثقافتها واستهانة بأهلها، ولا ينفع معه إلا الضرب بيد من حديد أو بالمعاملة بالمثل، بحيث توضع أيدي هؤلاء المجرمين في أحواض الكبريت. [email protected] mohamdalyami@