فوجئت المبتعثة في إحدى جامعات أميركا فاطمة الحجي بصوت النادل يستأذنها في أن يجمع ما بقي من طعامها لمصلحة الفقراء والمشردين، الأمر الذي ترك أثره في نفسها وجعلها تحافظ على الطعام. من عادة الأميركيين عدم ملء الصحون، إذ يكتفون من الطعام بمقدار حاجتهم فقط حتى في الحفلات أو المناسبات في «البوفيه المفتوح»، ويمنعون أي أحد يأخذ أكثر من حاجته، ويعتبرون ما يزيد عن حاجة الإنسان نوعاً من الإهدار المرفوض. وأشارت الحجي إلى وجود شركة تهتم بجمع الأطعمة الفائضة نهاية كل يوم، وتقوم بتوزيع بروشورات تعرف بنفسها. كما تمّ عرض فيلم وثائقي عن الترشيد في استهلاك الطعام وكيف أن هذا الإسراف يؤثر في موازنة الأسرة، وفي المعهد الذي تدرس فيه أقيمت مأدبة وتكلمت المدير قائلة: «إن سلوك الإنسان في تناوله للطعام ومحافظته عليه هو انعكاس لثقافته وبيئته». وأثنت على تعامل الأميركيين وسلوكهم، وأنهم يتحلون على الدوام بالبشاشة والابتسام، وأنهم منظمون جداً في تعاملهم، فلا أحد يتعدى على حق لأحد، ولا أحد يأخذ دور غيره في الطابور، حتى أطفالهم منظمون. وبيّنت أن حياتها صارت منظمة مثلهم، وأنه من الجميل في حياتهم احترامهم لخصوصيات الآخرين، فلا أحد يتطفل على حياة غيره أو يفرض نفسه. ويرى المبتعث في برنامج خادم الحرمين إلى ألمانيا الدكتور نبيل البشر أنه مما لا شك فيه أن احتكاك أي شخص مع ثقافة مختلفة يجعله في حال من نقد الذات تارة ونقد للآخر تارة أخرى، وعلى هذا الأساس يتقبل العادات الجديدة أو يرفضها. ويعتقد أن التحدي سيواجه المبتعث في حال عودته واصطدامه بالعادات والتقاليد. أما في بلد الغربة فلا شك في أنه سيبدأ بالفعل بالاقتداء بهذه السلوكيات المحبذة. وتؤكد زهراء سعد أن الأميركيين أكثر انضباطاً في كل شيء، وأنهم لا يرمون الأكل الفائض حتى لو ارتادوا مطعماً، فإنهم يأخذون معهم ما يزيد من أطباقهم. وتضيف: «ونحن المبتعثين تعلمنا منهم ذلك، فصرنا نطلب صندوقاً من المطعم ونعلّب فيه طعامنا المتبقي. وتشير إلى أن الأجانب بشكل عام مهذبون ومنضبطون في الوقت، ومنضبطون في طابور الانتظار سواء في مطعم أم في غيره. وتصفه بالاتزان، فعلى رغم أن الشعب الأميركي مغرم بشيء اسمه «الوجبات السريعة» ما تسبب بانتشار نسبة البدانة، فهناك في المقابل كثير ممن يهتمون بالرياضة واللياقة الجسدية، ويحترمون اختلافك ووجهة نظرك، ولا يعنيهم ما تفعل، ولا يراقبون أو يتصيّدون عثرات أحد، وأبدت أنه يصعب أن تحكم على الشعب الأميركي كله لاختلافه من ولاية إلى أخرى، لكنها أحبت شعب سانتالويس كثيراً. فيما كانت منيرة ترغب في أن تأتي ببقايا طلبها من ورق العنب الذي تحبه شقيقتها الصغيرة، لكن العادات الغالبة على المجتمع تمنعها حتى من إطعام صغار جيرانها المعوزين، وعلى مرأى من عينيها تشاهد النادل يفرغ صحونها الممتلئة بسلة المهملات، في حين وجدت عكس ذلك حين سافرت في بعثتها التعليمية إلى إحدى الولايات الأميركية.