دخول بعض المطاعم في مدينة نيس الفرنسية أشبه بالدخول إلى سيرك، إذ تمنع إدارات هذه المطاعم موظفيها من تلبية طلبات الزبائن بالشكل الرسمي المعتاد، وتدربهم على تقديم المشروبات ووجبات الطعام وأصناف الحلويات بأسلوب بهلواني مرح تارة، وغامض مشوق يعتمد على خفة اليد والخدع العلمية تارة أخرى، الأمر الذي يبهر الزبون ويحسن حالته المزاجية، ويشتت تركيزه على معدته الجائعة، ويشعره بقيمة الطبق الذي يتناوله، فضلاً عن دعوته إلى التفكير وحل لغز تحضير الطبق الذي قام النادل بإعداده أمامه. كواليس قبل أن يجلب النادل طاولة العرض الخشبية الخاصة بعروضه المشوقة، قام بإفراغ الزلال وصفار البيض من 6 حبات بيض، ووضع فيها كريما بيضاء اللون لإيهام الحضور بأنه الزلال، ثم وزع كريما المانجو في 6 ملاعق منفصلة لتبدو كما لو كانت صفار البيض، ووضع على طاولته صحوناً أخذت شكل مقلاة البيض، وبدلاً من زيت القلي أحضر معه علبة تحتوي على غاز النيتروجين المسال عديم اللون. نيتروجين يستخدم النيتروجين السائل كمبرد للمنتجات الغذائية، وقد اعتمد النادل على هذه الحقيقة العلمية في تحضير البوظة، إذ غمر الصحون التي أخذت شكل مقالي البيض في علبة النيتروجين، ثم فقس كل بيضة في مقلاة، وحينها سمعنا صوتا يشبه الصوت الذي نسمعه عادة عند فقس البيض في الزيت الساخن، ثم سكب فوقها كريما المانجو، فكانت النتيجة بيضة استثنائية بدرجة بوظة لذيذة. كادر تصفيق حار عندما يختتم النادل عرضه المثير، فإنه يحتفظ بأسرار عرضه لنفسه، ويحاول التهرب من إلحاح الزبائن لمعرفة الآلية التي حضر بها وجبتهم المفضلة، ويكتفي بقول عبارة: “استمتعوا بطبقكم، وسنتحدث لاحقاً”، وبعدها يحظى بتصفيق حار من جميع زبائن المطعم لأنه أمتعهم حقاً.