سقى الله أيام الحواري الجميلة التي كنا نستمتع بها في مثل هذه الأيام الفضيلة، فبعد صلاة التراويح ينصرف الناس من المسجد إلى أحد البيوت المجاورة لهم، فأما كبار السن فيجلسون في ساحة البيت الخارجية متوسدي مساند «المقلط» «بالمناسبة لماذا المقلط فيه مساند مع أن الناس تجلس تأكل وتقوم فما تحتاج أن تتسند؟» أسئلة وجودية. وأما الشبان ففي أرض برحاء ضربوا «شبكة الطائرة» على جدران الجيران، وأخذوا يلعبون بكل بسالة و«ذمة وسيعة»، والحياة سعيدة بصفوها وبساطتها. ذلك الوقت لم يكن هناك ما يشد في التلفاز ليجلس الناس للتفرج عليه، عدا مسابقة رمضان للكبار على القناة الأولى، وهناك «دافور» واحد في الحارة يتابع كل الفوازير حتى نهاية الشهر، ثم تتناسخ الإجابات وترسل للتلفزيون منتظرين إعلان النتائج وأرقام بطاقات الأحوال من اليسار لليمين، «إذا لم تعش تلك الأيام فأنت لم تعش جيل الطيبين جداً». أما هذا الزمن «اللهم يا كافي» فغابت عنه وسائل المتعة كلها، فالتراويح تمتلئ في أول رمضان، ثم يقل العدد إلى صف واحد من كبار السن، وما أن يسلم الإمام حتى ينطلق كل واحد إلى بيته في هدوء ودعة لا يدعو أحداً إلى فنجال قهوة ولا أحد يدعوه... البيوت الصغيرة غزت كل الأحياء، وإن وجدت أرضاً فارغة في منتصف الحي وجدت كل نفايات الحارة ملقاة فيها، وأصبحت نفوس الناس ضيقة لا تقبل أن تثبت شبكة الطائرة على جدارهم، وإن «تسطحت» الكرة لن تعود إليك ثانية، هذا إن لم يشتكوا عليك لدى الجهات المعنية بأن هناك «عزاباً» يلعبون في حي للمتزوجين، وهي بحد ذاتها تهمة تحفز كل مسؤول على العمل بجد لإيقافهم. الجيل الآن لا يتعدى ملحق بيتهم، فهو معتكف على برامج التلفاز، وإذا كان الشباب مشغولين في برامجهم الثقافية «القطنية» فإن الأطفال يلهون بالألعاب الإلكترونية في جوالاتهم... وتظل الأم والأب في فراغ نفسي وعاطفي ولا أحد بجانبهم يرد الصوت. رحم الله أيام الطائرة على الأقل وقتها «الكروش» أقل، وسعة الصدر أكثر. [email protected] mushakis22@