تتنفس الأسر الأردنية الصعداء مع انتهاء موسم الامتحانات والعام الدراسي وعبء المدارس ومستلزماتها والدروس الخصوصية والتوتر العصبي، فيما تتحطم الجداول اليومية المحددة بأوقات النوم والأكل والدراسة والدوام وتنشأ لدى الكثير من الطلاب والأسر على السواء نشاطات جديدة من اللهو واللعب والمرح والترفيه. لكن، سرعان ما تتنبه الكثير من الأسر إلى أن الإجازة الصيفية نفسها أصبحت هماً وعبئاً ثقيلاً يخلفه الفراغ الهائل الذي يخيم على الأبناء، والذي قد يرمي بهم إلى دروب الضياع أو التطرف وأحياناً الرذيلة. أسرة أبو محمد التي تسكن مدينة السلط (30 كلم غرب العاصمة عمان) يضع أفرادها أيديهم على قلوبهم كلما اقتربت العطلة الصيفة. فهم يعرفون كم كانت ثقيلة تلك الأيام التي تجاوزت بداية العطلة الصيفية الماضية عندما انضم ابنها الأكبر محمد الذي انهى السنة الثانية في تخصص الهندسة من جامعة البلقاء التطبيقية إلى جماعة سلفية قادته في النهاية إلى القتال في سورية والموت هناك. يدق قلب أبو محمد اضطراباً كلما سمع ابنه الثاني الذي أنهى امتحانات الثانوية العامة للتو ولم يعد لديه غيره سوى ابنتين، أنه ينوي الذهاب مع أصدقائه إلى مخيم صيفي. فكرة أن يبيت ابنه خارج منزل الأسرة باتت ترعبه، وسرعان ما يجترح أبو محمد فكرة الذهاب في رحلة إلى إحدى المناطق أو إلى أحد المطاعم التي يحبها أحمد، من أجل أن يئد فكرة غيابه مع أصحابه. وعلى العكس تماماً من أسرة أبو محمد، تستقبل أسرة وائل شرار التي تسكن مدينة إربد (80 كلم شمال العاصمة عمان) الإجازة الصيفية وكأنها فرصة لتحسين أوضاع العائلة المعيشية، فبمجرد أن ينهي وائل امتحاناته في جامعة اليرموك، ينضم إلى فريق عمل أحد المطاعم الأميركية التي تقدم وجبات سريعة في عمان للعمل فيها بدوام صيفي. وائل الذي لم ير والده بسبب وفاته بحادث سير وهو لا يزال جنيناً في رحم أمه، يكافح اليوم من أجل توفير الرسوم الدراسية له ولشقيقته التي تكبره بسنة دراسية في الجامعة. ويؤكد وائل أنه لا يشعر بأي غضاضة لتأجيله الفصل الدراسي الصيفي، ويقول إن تحسين مستوى المعيشة وتوفير مستلزمات إكمال الدراسة أولى من الإسراع في التخرج، بخاصة أن هذا التخرج سيرمي به إلى صفوف العاطلين من العمل. وتخاف أسرة نائل عشيبات عليه من الشارع الذي يحتضته والمئات من شباب غور الصافي (160 كلم جنوب غربي العاصمة عمان) الذين لا يجدون غيره في ظل الفقر المدقع وافتقار المنطقة النائية إلى أي أماكن ترفيه سوى البرك الزراعية التي تبتلع العشرات منهم سنوياً. ووفق عشيبات، فإن الشارع لا يصلح حتى للترفيه لأن الشمس لافحة وحارقة في الأغوار حيث قد تتجاوز الحرارة أحيانا 50 درجة مئوية. وتذكر منار الشولي أن أكثر الأسر الأردنية تعتبر الإجازة الصيفية في هذا الزمن كابوساً كونها تجهل كيفية ملء الفراغ النفسي والزمني لأبنائها وبناتها. وتمتد الإجازة إلى ما يقارب ثلاثة أشهر يحتل الفراغ جزءاً كبيراً منها وهو وقت من الممكن أن يكون فرصة للترويح والاستفادة كما يمكن أن يكون مثمراً ومفيداً لكن عدداً قليلاً جداً منهم ينجح في ترتيب برنامج منظم لقضاء العطلة. وتؤكد الدكتورة فاطمة الرقاد اختصاصية علم اجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية أن ثقافة الأسرة في المنزل ومتابعتها لأوقات فراغ أبنائها لها دور كبير في الحد من السلوكيات الخاطئة فالأسرة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن سلوكيات الأبناء وتصرفاتهم. ويرى أستاذ التربية الوطنية في الجامعة نفسها غالب عربيات أن عمل الشباب خلال العطلة الصيفية لمساعدة ذويهم أو الادخار للمساهمة في تكاليف الدراسة ينمي لديهم حس المسؤولية تجاه أنفسهم وذويهم وتجاه مجتمعهم، ويحد من عزوفهم عن الأعمال الخدمية والحرفية. وترى الشابة نور أبو طنطور أن العطلة الصيفية مملة ولا تجد ما تفعله سوى التسلية بمشاهدة التلفاز أو على الإنترنت. وتضع نور اللوم على مراكز التدريب المهني التي يجب أن تنظم دورات للفتيات على التجميل والخياطة والطهو وكيفية عمل الأكسسوارات والنثريات المنزلية التي تكسبهن مهارات جديدة، كما يمكن إقامة بازار تنتفع منه الفتيات والمجتمع المحلي. ويؤمن الشاب صدام جادالله أن التحكم بالوقت مسؤولية فردية بالدرجة الأولى، ويرى أن الشخص الذي يستخدم وقته بفعالية هو الذي يضع لنفسه أهدافاً محددة وقيمة يسعى إلى تحقيقها بشتى الوسائل. ويقول: «ما نشهده اليوم للأسف، أن نسبة كبيرة من الشباب الجامعي تأتي إلى الجامعة للتسلية وليس بهدف الدراسة والمتابعة العلمية، حيث يمضون أوقاتاً طويلة في التسكع أو الجلوس في الكافيتيريا وتبادل الأحاديث السطحية غير المفيدة، فيهدرون الوقت بلا معنى وكأنه لا يعنيهم».