وافق السابع من تموز (يوليو) مرور سنة كاملة على خوض الليبيين لاول مرة في تاريخهم القديم والمعاصر تجربة «الانتخابات» النزيهة من دون تدخل السلطة لمصلحة مرشح على حساب آخر لا يحظى بثقة من يديرون شؤون البلاد، وبعيد من مثلبة شراء الاصوات التي لا يتوانى المال السياسي عن اللجوء اليها في كثير من الانتخابات العربية. ففي مثل هذا اليوم تدافع الليبيون على صناديق الاقتراع بمختلف الدوائر الانتخابية بطول ليبيا وعرضها لاختيار اعضاء المؤتمر الوطني العام (الجمعية التأسيسية) التي ستتسلم مقاليد الامور من «المجلس الانتقالي» الذي اسسه المستشار مصطفى عبدالجليل بطريقة اختيار عضو من كل مجلس محلي بالمدن التي تحررت من سيطرة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. وكانت تلك الانتخابات، رغم محاولات لا تكاد تذكر من بعض العابثين في دائرتين او ثلاث، نزيهة وخالية من اية شائبة، وحقق فيها الليبراليون (تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل) فوزاً ساحقاً لم يكبحه سوى التخريجة الذكية ممن خططوا للانتخابات بحيث خصص 120 مقعداً من مقاعد المؤتمر ال 200 لما سمي «مستقلون» وهي المقاعد التي تنافس عليها اكبر تكتلين سياسيين تكونا غداة الاطاحة بالقذافي ونظامه، هما «العدالة والبناء» (الذراع السياسية لحركة الاخوان المسلمين) و «تحالف القوى الوطنية». بدأت كتلة «العدالة والبناء» نشاطها السياسي السري قبل اكثر من نصف قرن على يد المصري (الاخواني) عز الدين ابراهيم ورفيقيه محمود وجلال سعدة، الذين لجأوا الى ليبيا عام 1949 واستجاروا بادريس السنوسي امير برقة حينئذ فأجارهم هرباً من تهمة اشتراكهم في اغتيال رئيس الوزراء المصري آنذاك النقراشي باشا على يد عناصر ينتمون الى حركة «الاخوان المسلمين» التي اطلقها حسن البنا عام 1928. وعملوا منذ ذلك التاريخ، سواء في المدارس التي عملوا بها كمدرسين او من خلال اختراقهم للتجمعات، على نشر مبادئ «الاخوان» في اقليم برقة. أما «تحالف القوى الوطنية» الليبرالي فقد التف حوله عدد كبير من المرشحين للمؤتمر نتيجة للجولات الميدانية التي قام بها محمود جبريل في مختلف المدن والقرى الليبية وهو يحض المواطنين فيها على اهمية المشاركة الفاعلة في اختيار ممثليهم في المؤتمر الوطني الذي سيقوم بصياغة دستور جديد لليبيا الديموقراطية بعد نحو اربعة عقود من الاستبداد الفردي الذي ابتكر له القذافي تعريفات لم ير الناس منها الا تسميات على غير مسميات. فنال «التحالف» بذلك ثقة الناخبين أكثر من اسلاميي حزب «جبهة انقاذ ليبيا» وحزب «العدالة والبناء» اللذين ما ان تنبها لتدني فرصهما في تحقيق اغلبية حتى اشارا الى كثير من اعضائهما والموالين لهما بالترشح على لائحة المستقلين فاستفادوا من «تخريجة المستقلين» المستنسخة من انتخابات السودان غداة الاطاحة بجعفر نميري عام 1985، حيث ابتدع الجزولي دفع الله رئيس الحكومة الانتقالية (ذو الميول الاخوانية) ما سمي بدوائر الخريجين التي قفز اليها عدد من انصار «الجبهة القومية الاسلامية» واعضائها بقيادة حسن الترابي ما اعطى الجبهة فرصة كي تصبح الرقم المهم في تشكيل الحكومة بعد تسليم المشير سوار الذهب ومجلسه العسكري الانتقالي السلطة لجمعية تأسيسية منتخبة لتشكل حكومة جديدة رأسها آنذاك زعيم حزب الامة الصادق المهدي ومجلس دولة كانت رئاسته من نصيب احمد المرغني شقيق محمد المرغني زعيم «الحزب الاتحادي» بينما حصلت جبهة الترابي على مجموعة من الحقائب الوزارية. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كان في ليبيا ايضاً «جبهة انقاذ» ذات توجه اسلامي اسسها الدكتور محمد المقريف، مع عدد ممن يشاطرونه توجهه، في عقد الثمانينات من القرن الماضي بعد انشقاقه عن القذافي وهو سفيره في الهند. وظلت تقود المعارضة ضد القذافي حتى تحرير ليبيا فعاد رئيسها واعضاؤها الى البلاد، وانخرطوا في الحياة السياسية، فحصل ثلاثة منهم على ثلاثة مقاعد في المؤتمر الوطني العام بعد انتخابات يوليو 2011 وانتخب الدكتور المقريف رئيساً للمؤتمر فيما انتخب المؤتمر علي زيدان رئيساً للحكومة الموقتة. وما زال علي زيدان يصارع الجماعات المسلحة التي انضم جزء منها الى الجيش وجزء آخر للشرطة وبقي جزء ثالث خارجهما مشكلاً عنصر ارباك للامن المحلي، ومقدماً المبررات للشركات الاجنبية لتأجيل عودتها الى ليبيا ما عرقل اعادة الاعمار، فيما آثر المقريف العودة الى منفاه بعد «امتثاله» لقانون العزل السياسي المثير للجدل، والذي قال الدكتور كمال دهان رئيس المحكمة العليا ل «الحياة» ان الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا ستباشر النظر في الطعن المرفوع ضد هذا القانون بعد انتهاء العطلة القضائية بنهاية شهر آب (أغسطس) المقبل.