لم يدمْ فتح حديقة «غازي» في ميدان «تقسيم» في اسطنبول أكثر من ساعات الاثنين، بعد إغلاقها أسابيع، بسبب عودة المحتجين إليها فور فتحها مجدداً. اذ ان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لا يريد مشاهدة حشود جديدة تتظاهر ضده، وتذكّره باحتجاجات ميدان التحرير في القاهرة التي أغضبته لدى متابعتها على شاشات التلفزيون، إذ وصف المتظاهرين بأنهم «انقلابيون وفلول»، منتقداً الغرب لرفضه اعتبار ما حدث في مصر «انقلاباً عسكرياً» على الرئيس «الإخواني» المعزول محمد مرسي. وتسعى حكومة أردوغان إلى الإفادة من أحداث مصر، لتقارن بين متظاهري حديقة «غازي» ونظرائهم في ميدان التحرير، كونهم «انقلابيين» يرفضون الديموقراطية، لشحذ مشاعر الأتراك الكارهة لأي تدخل عسكري ضد محتجي «تقسيم». لكن المتظاهرين والمعارضة في تركيا، باتوا يشبّهون أردوغان بمرسي، وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية) بتنظيم «الإخوان المسلمين»، تساعدهم في ذلك اتهامات متزايدة لرئيس الوزراء بالتسلّط. وتجاوز هذا الدعم المطلق من أنقرة لمرسي، حدود الديبلوماسية المتعارف عليها بين الدول، وسط حديث عن «تسخير» مكتب القسم العربي لوكالة أنباء «الأناضول» في القاهرة، لمساعدة مرسي على خرق عزلة إعلامية فرضها عليه الجيش يوم إطاحته، إضافة إلى معلومات أوردتها صحيفة «مللييت» عن ضغط مارسه أردوغان على مرسي، لرفض أي تسوية يقترحها الجيش، بينها نقل صلاحياته التشريعية إلى حكومة وحدة وطنية، في مقابل بقائه رئيساً. وتورد وسائل إعلام تركية معلومات تعمّدت حكومة أردوغان تسريبها، تفيد بأن تقارير السفير التركي في القاهرة استبعدت تماماً فرضية حدوث انقلاب، فأُخِذت أنقرة على حين غرّة، على رغم أن الساسة الأتراك يدركون أن تقارير السفراء لم تعدْ ذات قيمة، بعدما بات الاعتماد في اتخاذ القرار على تقارير مستشارين ومقرّبين وأصدقاء، بينهم «الإخوان المسلمون» في مصر الذين يُعتبرون أبرز حليف لحزب «العدالة والتنمية» في المنطقة. ويرفض وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مزاعم بأن حكومته خسرت أهم حليف لها، لكنه لا ينفي صفة الحليف عن «الإخوان»، بل يعتبر أن المشهد في مصر لم يُحسم بعد. وكان لافتاً ردّ الفعل القوي لتركيا الذي حمّل الجيش المصري مسؤولية الصدام أمام دار الحرس الجمهوري في القاهرة، قبل اتّضاح ما حصل، وتجاهل التحريض «الإخواني» على عنف. قد تكون ردود فعل الحكومة التركية، المؤيدة بقوة ل «إخوان» مصر، الحلقة الأخيرة في إطار دعم أنقرة حركات «الإخوان» في المنطقة، منذ اندلاع شرارة «الربيع العربي» قبل أكثر من سنتين، والذي استلهم الجذور الإسلامية للحزب الحاكم، في شكل بات يطغى على الطابع العلماني للجمهورية التركية، في تحرّكها في الشرق الأوسط. وباتت تركيا، المحايدة تقليدياً، طرفاً في صراعات المنطقة، كما أن صحافييها الذين كانوا يتمتعون بحرية تحرّك لا يحظى بها زملاؤهم في المنطقة، باتوا مشبوهين لدى السلطات العسكرية المصرية التي تابعت استخدام أنقرة لوكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، في معركتها السياسية في القاهرة.