عندما يشعر اللبناني أن وطنه مسلوب منه، بهوائه وبحره وشواطئه وحدائقه وآثاره وتاريخه وأرصفته ونقله المشترك... لا بد من إطلاق حملة لاسترجاع حقوقه المدنية واستعادة الملك العام لما هو عام. جمعيات «نحن» و»شباب صور نحو الغد» و«بيتكم» من ثلاث مدن لبنانية هي بيروت صور وبعلبك، أخذت على عاتقها إطلاق حملة «مجالات عامة، للحياة العامة» التي تبدأ نشاطاتها في 12 و13 و14 تموز (يوليو) الجاري. لكي تصبح المدن أفضل، وتزداد فيها المساحات الخضراء ويعود رمل الشواطئ والنقل العام والأرصفة والساحات لكل الناس، قررت الجمعيات الثلاث الاضطلاع بدور فاعل وقيادي من خلال حملات الضغط هذه للمساهمة في جعل المدن اللبنانية مدناً حاضنة لمواطنيها، وذلك عبر مشروع «تدريب شباب ليتمكنوا من قيادة حملات تساهم في تغيير السياسات تجاه المجالات العامة والمساحات الخضراء»، كما يقول محمد أيوب مدير المشروع. ويمكن القول إن جمعية «نحن» نجحت في حملة المطالبة بإعادة افتتاح حرج بيروت المغلق منذ 20 سنة، التي قادتها منذ سنتين تقريباً. وكان للحملة أثر في توعية عدد لا بأس به من الناس بأهمية المساحات العامة. واستطاعت «نحن» إحياء ذاكرة حرج بيروت في أذهان اللبنانيين، ما دفع بلدية بيروت إلى وضع استراتيجية لإعادة افتتاحه. ومن المتوقع أن تفتح البلدية باب المناقصة من أجل إدارة حرج بيروت واستخدامه للعموم، بناء على دفتر الشروط الذي أعدّته البلدية. ولكن ما زال الناشطون ينتظرون هذا الافتتاح. ويؤكد أيوب أن هذا التحرك كان دافعاً مهماً لإطلاق مشروع «مجالات عامة، للحياة العامة» خصوصاً في ظل «انقسام لبنان الطائفي والطبقي والاجتماعي واللامساواة والعنصرية في بناء مدننا التي تنمو بشكل فوضوي». ونظراً إلى ما تمثله المساحات العامة من مكان مهم وحيوي لالتقاء الناس من كل الطبقات، يرى أيوب أنها «المكان الأمثل الذي تتشكل فيه هوية المدن الديموقراطية من خلال التشارك بالحدائق العامة والرصيف والنقل المشترك والشاطئ العام». ولفت إلى أنه «عندما تفتقر المدينة إلى هذه المقومات تكون بلا هوية وغير مؤهلة لتخريج مواطنين بقدر ما تُخرّج أناساً يميلون إلى العنف ورفض الآخر». وفيما أصبح اللبنانيون يعيشون في غرف مغلقة ولا يتواصلون مع الآخر، وضع المشروع في سلم أولوياته استعادة بحر لبنان المسروق والملوث بيئياً، واسترجاع الحدائق العامة وإقامة حدائق أخرى جديدة، وحق الناس في وجود نقل عام مشترك وأرصفة والمحافظة على الأبنية والمسارح القديمة التراثية. ويتّخذ المشروع من النهج العلمي أساساً لعمله، وسيتطرق إلى ملفات حساسة في كل منطقة لتسليط الضوء عليها. وفي هذا الإطار يقول أيوب إن المشروع «سيفتح قريباً ملف شاطئ الرملة البيضاء ووضعه القانوني والبيئي والاجتماعي، وسينشر دراسات عن المساحات العامة في بيروت وصور وبعلبك» . يقسم العمل في مشروع «مجالات عامة، للحياة العامة» إلى مرحلتين. يتولى متخصصون في المرحلة الأولى، تدريب شباب مبدع وناشط (60 شاباً وصبية) على مفاهيم المساحات العامة وأهميتها وإقامة حملات ضغط لاستعادة حقوقهم وتحسين مدينتهم وتعليمهم كيفية التواصل مع الآخر من خلال ورش عمل تستمر الواحدة منها ثمانية أيام، إضافة إلى ورشتين حول التركيز (يومين) والضغط والمناصرة (5 أيام). وفي المرحلة الثانية تُختار المواضيع التي ستبدأ حملات الضغط من أجلها ومن ثم اختيار الملفات التي ستنطلق في شأنها الحملات. ويوضح أيوب أن «القيّمين على المشروع سيدعون الجمعيات المهتمة والناشطين والمتخصّصين والإعلاميين للضغط من أجل إقرار سياسة جديدة حيال المساحات العامة من خلال مؤتمر وورش عمل متخصصة لوضع خطة عمل تنفيذية للمجالات العامة وتشكيل حلف وطني» في هذا المجال. وأوضح أنه بعد بيروت وصور وبعلبك سيأتي دور صيدا وطرابلس وعكار، إلى أن تغطي الحملة كل لبنان.