، لاحظتُ : ... أن توافر الكهرباء 24 ساعة في اليوم، ومن دون أي انقطاع أو تلاعب بالكمية التي تصل إلى المنزل، أمر مريح، لا بل من شأنه أن يقتلع نصف الضغط اليومي الذي نعانيه من دون أن ندري! ... أن خزانات المياه ليست إلا «بدعة» صنعت في دولة فاسدة كلبنان حيث المياه متوافرة بكميات هائلة، نهدرها بحراً كي نشحذها لاحقاً ونعيد تخزينها كي «نمرّر» صيفنا الحار! ... أن رمي الأوراق في المراحيض لا يتسبب بأي عطل ولا يستتبع استدعاء أي «سنكري». ... أن التأفف بسبب بعض دقائق الانتظار في محلات «السوبرماركت» أو في مراكز البريد أو في أي مكان عمومي آخر، أمر معيب، لا بل مشين، لأنه لا يعكس سوى قلة حضارتنا. ... أن البشرة، أكانت صفراء أم سوداء أم بيضاء أم حتى خضراء، ليست معياراً للتمييز، لأن صاحبها لا يقل عنا شأناً، لا بل وفي أغلب الأحيان يفوقنا ذكاء وقدرات ومهارات. ... أن عدم سماحنا ل «الآخر»، أكان أفريقياً أو آسيوياً، بارتياد مسابحنا الملوثة بنجاستنا، ليس إلا ظاهرة أخرى من مظاهر التخلف والعصبية العمياء، وأن هؤلاء أنفسهم يرتادون المسابح الأوروبية بكل ترحاب ومن دون أن يتسببوا بأي «إزعاج» للرأي العام. ... أن التحدث بصوت عال أمر ليس إلا من شيمنا. ... أن أصحاب الإعاقات الجسدية هم أشخاص مثلنا تماماً مع فارق بسيط، هو أن الإعاقات أصابت أجسادهم بدلاً من عقولهم. ... أن المقعدين يمكنهم أن ينعموا باستقلال في التنقل، وأن بعض التجهيزات البسيطة سهل المنال أكثر مما نعي. ... أن الكلاب ليست حيوانات مفترسة تعض وتنهش لحمنا، وأنها صديقة وليست «عدوة» الصغار، وأنها كائنات يمكنها ان تستقل القطار وتدخل المحلات من دون التسبب بأي خطر! ... أن الطبيعة والمدينة أمران لا يتناقضان، لا بل الأولى تمثل حاجة جوهرية لاستمرار نمو الثانية على نحو «صحي». ... أن سماع زقزقات العصافير وحفيف أوراق الأشجار على وقع النسيم العليل أمر عادي في قلب المدينة وليس «ظاهرة» غريبة. ... أن الضجيج الذي يرافقنا في بيروت مسؤول عن أكثر من 70 في المئة من المشكلات اليومية والضغط النفسي الذي نعيشه. ... أن صيتنا، كلبنانيين، مقترن بالحروب والقتل على الهوية والطائفية والعنصرية وبعيد كل البعد من الكرم والضيافة وصحون التبولة والحمص والكبة النية التي جهد وزيرنا العزيز لنشرها في كتاب «غينيس» للأرقام القياسية. ... أن صورة لبنان مقترنة بالصحراء والجِمال (مع كل احترامي للحيوانات) والأبنية المتشظية وخيم اللاجئين والعائلات المشردة، وبعيدة كل البعد من البحر الذي كان أزرقَ وما بقي من الجبال المكسوة بالثلوج. ... أن تغنِّينا ب «حب الحياة» و «حب الاحتفال» ليس سوى ظاهرة أخرى من ظواهر التخلف، ذلك أن ما تبقى من «طاقة» لدينا نحولها نحو الرقص بدلاً من «ثورة رفض وتغيير إيجابية». ... أن «خجلنا» بهويتنا يترجَم بخجلنا ب «لغتنا» التي نتخلى عنها كل يوم باستخدامنا لغات أجنبية، خصوصاً في الأماكن العامة الراقية وبقوائم المطاعم الفرنسية أو الإنكليزية، وبأسماء المحلات الأجنبية. ... أن سائق حافلة صغيرة في ألمانيا له سلطة على باصه أكثر مما للوزير على وزارته في لبنان، وأنه يحمي مصلحة ركابه بعدم تأخيرهم من خلال عدم السماح لامرأة عربية تحاول منعه من الانطلاق بحجة وصول بقية أبنائها بعد أقل من دقيقة الى محطة الانتظار. ... أن التباهي بسيارة أو ملابس أو نظارات شمسية أو حقيبة «لوي فويتون» في دولة حضارية وبين أناس حضاريين... أمر معيب جداً ويدعو إلى الخجل إلى حد التواري عن الأنظار. ... أن الفتيات والسيدات لا يهدرن أوقاتهن في التبرج وفي انتقاء ملابسهن. ... أن الموضة شخصية ولا نماذج معينة من الألبسة التي تفرض حضورها على كل الأجساد، أمتناسقة كانت أم مفعمة بالتعرجات. ... أن اقتناء الماركات العالمية لا يجعلك أرفع شأناً من غيرك، أو أكثر رقياً منه. ... أن النظر إلى الآخر والتحديق بملابسه، أياً كان نوعها ولونها وأسلوبها وثمنها ورمزيتها الاجتماعية، أمر معيب ويمسّ بخصوصية الفرد. ... أن محاولة الاستماع إلى حديث الآخر الذي نلتقيه في مكان عام أو التنصت «عن قصد» أو «غير قصد» أمر معيب حقاً. ... أن التحدث بصوت عال عبر الهاتف في الطريق أو في القطار، شيء يرمز إلى انتمائنا إلى إحدى دول العالم الثالث أو الرابع. ... أن أستاذ اللغة الألمانية يستمر في إعطاء الدروس حتى الثانية الأخيرة من الدقيقة الأخيرة المخصصة للتعليم، وأن التفريط بدقيقة أو دقيقتين يومياً أمر يمس بالصدق والمهنية. ... أن الألمان يسخرون من الأميركيين لفرط تبجحهم بأنفسهم واستخدامهم مفردات وشعارات رنانة للتعبير عن أهمية أعمالهم، فيما أن أعمالهم هي في أغلب الأحيان خالية من المهنية والجودة. ... أن الألمان يعطون كل مرحلة من مراحل العمل، ومهما بدت صغيرة، ما يلزمها من الوقت والدقة والمهنية، لأنهم متى عملوا اجتهدوا، ومتى نفذوا أتقنوا، ولهذا متى عرضوا أعمالهم تهافت الجميع عليها. ... أن الألمان حين يقررون الاجتماع للبحث في مسألة ما يركزون على الجوهر، يلتزمون الوقت المحدد، ويخرجون بنتيجة واضحة، وهذا ما ينطبق على الصناعة والتجارة وسواهما من الميادين. ... أن الشمس التي أنعم الله بها علينا والتي لا نعي أهميتها، هي نعمة ينتظرها الناس في أوروبا الوسطى والشمالية، ويخرجون إلى الحدائق العامة للاحتفاء بخيوطها متى نجحت في التسلل من بين الغيوم. ... أن أحداً لا يسألك عن أمور شخصية أو يحاول التدخل في خصوصيتك متى تغيبت عن عملك أو صفوفك، وأنهم يكتفون أحياناً بسؤالك عما إذا كنت تحتاج إلى أي مساعدة. ... أنه ليس من الضروري أن يكون النادل أو النادلة في غاية اللطف لدى أخذ طلبيتك، وأنهما ليسا مضطرين للعودة مراراً لسؤالك «أستاذ» عما إذا كان كل شيء «على ذوقك». ... أن تناول المثلجات في الشتاء لا يضر بالحنجرة وأن أكثر من نصف الألمان يتناولونها على مدار السنة. ... أن الأطفال ينعمون بحرية في اللعب والتصرف والتحدث، أكثر من الحرية التي ينالها الراشد في لبنان. والأهم تعلمت أن الحياة يمكن أن نعيشها بمقدار أقل من الضغط الاجتماعي والنفسي والثقافي وأن هناك فرصة في مكان ما للعيش ببساطة ولعيش البساطة!