أسهب حزب «العدالة والحرية» الإخواني المعزول في مصر في تصوير أنفسهم على شاكلة الأنبياء والصحابة - ولو أن أحداً غيرهم قال ما قالوه لكفروه واتهموه بالزندقة - فقد صوروا بعض رموزهم بالنبي يوسف - عليه السلام - الذي أخرجه الله من السجن ومنحه الوزارة العظمى، وتبادلوا أحلاماً كالتي رأى فيها أحدهم أن النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم - يقدم الرئيس مرسي كي يؤمه في الصلاة. هذه القصص تجعل المريدين يمتلئون إيماناً بأنهم يقفون في صف الأخيار ومن يقف ضدهم هم الزنادقة والكفار. وعلى رغم عمليات التزوير والكذب التي سجلتها الصحافة بالصوت والصورة وبشهادة موثّقة من وزارات الخارجية، إلا أنها لم تكسر هالتهم المقدسة عند مناصريهم. استطاعوا أن يكسبوا صوت الفقراء بتوزيع أكياس من الدقيق والسكر، لكنهم حين وصلوا إلى الحكم قطعوا عنهم «البنزين والسولار»، ورفعوا أسعار رغيف الخبز، لكن مريديهم يتغذون بالأحلام لا بالواقع المحيط ومعطياته. وحين قدّمت حركة «تمرد» كشف حساب شعبي يضم 22 مليون توقيع يقر بفشل حكم الإخوان والبحث عن حكم بديل، عادت الأحلام والرؤى تتجدد كمنقذ، فصاح أحد المناصرين في ثورة 30 يونيو بأن صالحاً منهم رأى جبريل - عليه السلام - يصلي معهم في مسجد رابعة العدوية حيث يتجمعون، فهلَّل المناصرون وكبروا وبكوا. ما هي حكاية الأحلام والرؤى اللصيقة بهذه الحركات؟ فقبلها كان أتباع حركة الجماعة السلفية التي قادها جهيمان واحتلت الحرم، يتهادون الأحلام على أنها رؤى صالحين وبشارة على ظهور المهدي، ومن شدة ثباتهم وتصديقهم لها زرعوا الشك في نفوس معارضيهم - كما ورد في كتاب «روبرت ليسي» - بأنهم على حق. هذه الحركة أيضاً تغذت على الرؤى والأحلام أكثر مما تغذت على الواقع، فشهدت بأن عبدالله القحطاني هو المهدي القرشي المنتظر، ومن شدة إيمانهم بأنهم على حق دخلوا المسجد الحرام وقتلوا المصلين الذين قاوموهم، إلا أن أول من مات منهم كان المهدي المزعوم، ثم عادت الأحلام بعد 20 عاماً تظهر في كرامات المحاربين الأفغان العرب الذين تشع وجوههم نوراً وتفوح قبورهم مسكاً وطيباً. استخدم الإخوان لغة الأحلام حتى سقطوا، لأنهم كانوا يعرفون جيداً أنها لغة تخديرية يحتاجها الأميون والبسطاء والروحانيون الذين يعتمدون الحدس لا الوقائع والأحداث، متناسين أن هذه اللغة لا تصلح لخوض الحياة السياسية التي تتطلب حالاً من اليقظة والعقل والتعامل مع الحقائق، كما أن العمل بالشيء وضده ليس من قيم الديموقراطية بل من أعمال السحرة وهواة «السيرك»، فلا يمكن أن تخاطب الناس بلغة الانتخابات والصناديق والشرعية طالما تشهد لصالحك، فإذا انقلبت عليك صارت المعارضة كفراً، وصارت حرمة الخروج على الحاكم من قواعد الديموقراطية. أحلام الإخوان ومن قبلهم السلفية ليست في المنامات التي رووها للبسطاء، بل في ما تجلّى تالياً في سعيهم الحثيث للسلطة والهوس بها، مما سرّع بمقتلهم وسقوطهم، فقد ركضوا للسيطرة على كل مؤسسات الدولة من برلمان ومجلس شعب ورئاسة، وحين توجسوا من النائب العام غيّروه. وحين لم تستجب لهم المحكمة الدستورية حاصروها وكتبوا الدستور على هواهم هم، ثم طالبوا الشعب بأن يحترم الشرعية التي لم يحترموها هم، بل نسوا أن الشعب هو مصدر الشرعية في العملية الديموقراطية، لهذا عاد وأسقطهم. وإن كان ناخبو الرئيس مرسي قاربوا 12.5 مليون فإن من وقّعوا عريضة سحب الثقة هم 22 مليوناً. أحلام الإخوان في السلطة كشفت أنهم حزب سياسي مثل كل الأحزاب مهما استعانوا فيه بأضغاث الأحلام. في ظني أنه لم يكن هناك أفضل من سيناريو مثل هذا كي تنكشف هذه الأحزاب التي تريد أن تستثمر الدين في السياسة، بينما السياسة هي شيء آخر. يبدو أننا في كل مرة نعاود الوقوف عند النقطة صفر في ما يخص هذه النقطة، فلا المناصرون يتعلمون، ولا المتفرجون يتعلمون، نحتاج دائماً إلى من يتعلم الحلاقة في رؤوسنا ولو أدماها، ماذا تفعل بهؤلاء؟ تسكب عليهم جردل ماء كي يفيقوا؟ [email protected]